الذل لنيرون والمجد لروما - بقلم: شريف موسى

28.03.2014 09:55 PM

 الذل لنيرون والمجد لروما

أدركت شيئاً مهماً حين قتل معتز وشحة في بيرزيت على يد جنود الإحتلال، بينما وقف العشرات من المواطنين يشاهدون الجريمة البشعة أمامهم، ولم يحرك أحدهم ساكناً لردعها. وزاد إداركي للأمر حين أهان جنود الإحتلال القاضي رائد زعيتر على معبر الكرامة (جسر اللنبي) حيث قاموا بدفعه وهو يهم بالصعود إلى الحافلة ثم قاموا بجره إلى الشارع وإطلاق الرصاص عليه من مسافة قريبة جداً. وأيضاً لم يحرك أي من الركاب ساكناً لمنع الجريمة.
بعدها قتل ساجي درويش حين كان متجه لبيت الأغنام الذي تملكه عائلته. رصاصة في الرأس قتلته في قريته بتين، ولم يخرج أحد من سكان القرية لمنع الجريمة.
تلى هؤلاء ثلاثة شهداء في مخيم جينين هم حمزة أبو الهيجا، ومحمود جبّارين،  ومحمود أبو زينة. قتلو جميعاً برصاص الإحتلال الذي حاصر منزل أبو الهيجا في المخيم، وحين حاول بعض الشبان في المخيم فك الحصار عن منزل أبو الهيجا أمطرهم جنود الإحتلال بالرصاص مما أدى إلي استشهاد الشابين محمود جبارين ومحمود أبو زينة وإصابة آخرين.
في كل مرة قتل الإحتلال أحدهم لم يقم المواطنون بالتحرك لمنع الإحتلال من قتلهم، بل كان المواطنون يكتفون بالمشاهدة. لماذا لم يمنع أحد قتل الجنود لهؤلاء؟ لماذا لم يحرك أحد ساكناً لردع الموت عنهم؟ ولماذا لم يثأر أحد لهؤلاء الشبان؟ لماذا لم نقم بالرد على المحتل؟
حين قُتل كليب، قاد أخوه المهلهل حرب الثأر لأخيه أربعين عاماً. قتل خلالها عدد كبير، ولم يرتوي من دماء من قتلوا أخاه.
لا أعتقد أن دم الأخ بات رخيصاً ولا يستحق الثأر. ولكن هناك أمران، الأول أن سيف المهلهل صدئ في غمده حين ألقيناه، فمن دون سيفه ما كان المهلهل ليثأر. من دون سيفه كيف لنا أن نثأر؟ كيف لنا الثأر من قتلت اخوتنا ورفاقنا من دون السيف؟ وكيف لنا الرد على القتل البشع الذي يمارسه الإحتلال علينا؟
والأمر الثاني هو شعورنا الجماعي بالفاجعة والمصيبة، ليس وحده الزير من غضب، وليس وحده من استل سيفه وهب للثأر والرد على قتل أخيه، وليس وحده من بكى كليب، كل القبيلة حزنت وغضبت واستلت سيوفها.
قال المهلهل يخاطب قومه ويحثهم على اثارة الحرب لانهم إن فعلو فالغلبة لهم: أقول لتغلب والعز فيها أثيروها لذالكم انتصار.
أين رغبتنا في الكفاح؟ أين نحن من هذا الغضب وهذا الشعور الجماعي؟ أين نحن من عروبتنا؟ مات منّا ألف كليب، وما تحرك فينا مهلهل واحد.

لو كان جيران معتز وشحة في بيرزيت يمتلكون سلاحاً ويمتلكون الشعور الجماعي بالمصيبة، الذي يدفعهم ليمسكوا السلاح لما وقف أحدهم يشاهد الجريمة، ولهبوا لردّ الموت عن جارهم ورفيقهم، لأمطروا الإحتلال برصاصهم.
ولو كان السلاح بيد أهل قرية ساجي درويش وروح بني تغلب فيهم لهبواً جميعاً للثأر له ولردوا الصاع صاعين للمحتل. ولو كان السلاح والروح الثائرة والرافضة للذل والإهانة، لهب جميع أهل المخيم لحماية ابو الهيجا. لكان القتلى هم الجنود وليس شهدائنا الثلاثة، ولكان الجرحى هم جرحاهم وليس جرحانا. لكان المخيم جحيماً يحترق به كل من تخول له نفسه مسّ كرامة أهله، وكل من يظن أن بستطاعته قتل فلسطيني بسهولة.
ولكن لغياب سلاحنا اكتفينا بمشاهدة الجريمة في كل مرة، لغياب سلاحنا بتنا نشعر بالضعف، وعدم القدرة على إحداث فرق، لغياب سلاحنا بتنا الضحية، وأصبحنا نختبئ كالجرذان في منازلنا بينما يقوم الإحتلال بإقتحام منزل جارنا وقتله.
من سلبنا بندقيتنا؟ من سلبنا حقنا في رد الموت عنا؟ وحقنا في الدفاع عن أنفسنا؟ من سلبنا قدرتنا على الرفض؟ وقدرتنا على الوقوف منتصبين في وجه الإحتلال عوضاً عن الإختباء كالجرذان؟ من سبب جعلنا الضحية العاجزة؟
أنا وأنت، نحن السبب الأول لغياب السلاح، لأننا استسلمنا، وفقدنا الأمل، ولا ننفك نحقر ذاتنا، بل وصل الأمر للقول أنّا نستحق الموت ونستحق كل ما يفعله المحتل بنا! نحن من انحنينا للريح، ورضخنا للذل، وسمحنا لطيور اليأس أن تبني أعشاشها فوق رؤوسنا، وبذلك فقدنا الرغبة بكسر القيد، وفقدنا الرغبة بالحرية، ونوهم أنفسنا بأننا أحرار أو بأننا شعب يتعايش مع الظروف. هل تحتمل النار المطر؟
السبب الثاني لضعفنا، وخوفنا، هو التواطئ المستمر مع الإحتلال، هو من جعلنا ضحية لا حول لها ولا قوة. المتواطئون أيضاً جردونا بنادقنا، وزادوا الأغلال والقيود علينا.
حين قتل كل هؤلاء الشبان اكتفى المتواطئون بالإستنكار ومطالبة المجتمع الدولي بوقف القتل الذي يمارسه الإحتلال على أبناء شعبنا، في حين أنهم يستمرون في ممارسة التطبيع بكل أشكاله وصوره مع الإحتلال وليسوا مستعدين لوقف أكذوبة المفاوضات، وليسوا مستعدين للتعلم من شهدائنا كيف ينتزع الحق.
لا نريد من يدافع عنّا ومن يحمينا. بالسلاح نتكفل برد الموت عنّا وعن جارنا.
بالسلاح نثأر لمعتز وساجي وزعيتر وأبو الهيجا وكل من ارتقى وكل من سيرتقي، بالسلاح نحمي رفيقاً ويحمينا الرفيق.
هذا ويقدم خدم الإحتلال كل التسهيلات للمحتل إن أراد قتل أحدنا أو إعتقاله، يطاردونه أولاً وإن لم ينجحوا في إعتقاله أو تصفيته، يتصرف الإحتلال بشكل مباشر. ورد على إحدى الإذاعات العبرية على إثر إغتيال ابو الهيجا:
"(المتواطئون)لم يقوموا بالمطلوب في مخيم جنين. ولهذا كانت عملية اليوم"
الحقيقة هي أن المتواطئين لم ينجحوا في المهمة الموكلة إليهم، وهي مطاردة كل من يحمل السلاح في وجه الإحتلال.
بات جلياً أن مهمتهم هي خدمة الإحتلال بشتى السبل، فبتنا نرضخ تحت احتلالين وأمسى القيد قيدين.
واسأل نفسي:
ما الشعور الذي اعترى بو عزيزي في تونس، ودفعه إلى إحراق نفسه؟
كان شاباً عربياً تونسياً يبيع الخضار والفواكه على عربة يجرها في الشوارع، صادرت البلدية عربته وصفعته شرطية على وجهه وقالت له إرحل، حينها فقط أدرك بو عزيزي أنه لا يملك شيئاً ليخسره، وأنه كان في ذل دائم خوفاً من ذل أكبر، حينها علم أن كرامته التي صفعتها الشرطية وداستها البلدية أهم من كل شي، ولأنه لا يملك ما يخسره ولا يطيق المذلة، حرق نفسه.
نحن أيضاً إن فكرنا بوضوح ستتجلى الحقيقة أمامنا وسندرك أننا لا نملك شيئاً لنخسره، نحن شعب روما، علينا بحرق نيرون، قبل أن يحرق روما كلها ويحرق أرواحنا جميعاً. ولو لزم الأمر حرق أنفسنا لأجل روما وموت نيرون فليكن، لأننا بعدها سننهض كالفينيق من الرماد، ونبني روما قوية لشعب يستحقها. العار الخزي لنيرون والمجد لروما.
"عجبت لم لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج شاهراً سيفه على الناس؟" قالها الغفاري. وأنا أعجب لمن لا يجد الكرامة في وطنه كله، ولا يجد الحرية، ولا يجد ما يسر النفس كيف لا يخرج شاهراً سيفه؟
تلك الروح الوطنية المدفونة عميقاً في صدر كل منّا، تلك الروح الرافضة المتمردة، التي تأبى الذل وتأبى الرضوخ، تلك الروح التي ما انفكت جدتي تحدثني عنها حتى وفاتها. تلك الروح التي جعلت أهل قريتها الشجرة يقفون في وجه المحتل رغم شح سلاحهم وعددهم، حتى مات الكثير، منهم عبد الرحيم محمود الذي قال:
سأحمل روحي على راحتي  وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تــــــسر الصديق   وإما ممات يغيظ العدى
وهذا ما كان له، ممات يغيظ العدى، مات كالاشجار وقوفا في قرية الشجرة.
أين نحن من تلك الروح؟ روح الرافض الثائر لا تموت، لكننا دفناها عميقاً ليأسنا، وشعورنا بالضعف ولأننا انحنيا أمام الريح. آن لنا أن نبعث الروح الثائرة فينا، بدونها لن نستل السيف من غمده، وبدونها سنحيا بذل ونموت بذل.
نستقي من الردى ولن نكون للعدى كالعبيد
لا نريد
ذلنا الؤبدا وعيشنا المنكدا
لو ألقي بهذا الكلام للريح لعصفت، ولو ألقي في بركان خامد لثار، فكيف لو لم يكن هذا الكلام نشيدنا الوطني يوماً؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير