الشعب مقيد والقيادة متناحرة- بقلم: كايد معاري

يعد الصراع المحتدم بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح محمود عباس، مع القيادي الفتحاوي وعضو المجلس التشريعي محمد دحلان ليس على قدر كبير من الأهمية بحد ذاته، فهناك عدة خلافات واشتباكات كلامية وميدانية على مدار التاريخ الفلسطيني الحديث وفي مختلف التنظيمات الفلسطينية، لكن ما يمنحه خصوصية اكبر أنه يأتي في ظل حالة ترهل تنظيمي تعيشه حركة فتح، برز بشكل جلي في عدم قدرتها على حل الإشكالات والأزمات في إطار المرجعيات التنظيمية، ونقلها لتكون مناظرات اعلامية يطلق فيها كل طرف على الآخر ما يملك من " رصاص" لا يصيب هدفا سوى تصفية حركة " فتح " ليس بالمعنى المادي فحسب إنما بالإطار المعنوي الذي تشكله للشعب الفلسطيني.
ويمكن القول ان غياب " كاريزما" القائد ياسر عرفات شكلت عاملا حاسما في تصاعد وتيرة الاستقطاب بين القيادات الفتحوية سواء الظاهرة بين الرئيس ودحلان او المخفية بين المتنافسين على منصب نائب الرئيس تمهيدا ليكون الرئيس المستقبلي،و ما يجعلنا نطمئن قليلا ان كافة الاطراف تسعى لربط نفسها بشرعية" الختيار"، وهو ما يديم ياسر عرفات حيا في نفوس ابناء الحركة وقيادتها.
العوامل الداخلية الفتحوية المذكورة سابقا، وتهميش اصحاب الفكر الخلاق من كوادر الحركة جعل من القيادات المتصارعة تبحث عن مناطق نفوذها الإقليمية والدولية مما جعل من طور الازمة من خلاف تحت قبة الحركة الى خلاف يسعى لتفجير القبة فوق رؤوس من فيها، وهو ما يعرض البوصلة التي تتمايز فيها حركة فتح عن غيرها بإستقلالية القرار الى خطر محدق.
ومن المهم بمكان الإشارة هنا، أن الكتابة عن الأزمة الداخلية في حركة فتح لكونها الحركة التي تقود المستقبل الفلسطيني بكافة تفاصيله سواء على المستوى السياسي والصراع مع الاحتلال وتحكمها في إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية، والواقع المعيشي للمجتمع الفلسطيني.
فالأزمة الحالية بغض النظر عن مسوغات الجهات المنخرطة فيها ادت الى تراجع ثقة المواطن الفلسطيني بشفافية ونزاهة القيادة التي تمثله وتعبر عنه في مختلف المحافل، وساهمت في تنامي حالة الإحباط واللامبالاة التي قد تسعد السياسيون في مرحلة ما لكنها ستكون ذات نتائج كارثية على ثقافة وارادة شعب مازال يرزح تحت الإحتلال، ويسعى لرفع الظلم عنه. والأخطر تهاوي القيادات الحالية كنماذج نضالية للأجيال الشابة، فقد لفت انتباهي اثناء قراءة كتاب " جواسيس في الرمال" للكاتب جوردان توماس: أن رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي لم يشكل في يوم من الأيام خطرا استراتيجيا على الإحتلال من الناحية العسكرية والأمنية، لكنه كان بمثابة نموذج يحمل فكرا ناقدا من شان الأجيال التأثر به، فكان التخلص منه ضرورة لسببين الأول: قتل نموذج الفلسطيني ذو الفكر الناقد، والثاني: بث بذور الفتنة بتحميل منظمة التحرير مسوؤلية قتله، وهنا لابد من التساؤل حول هوية المستفيد من صراع " الديوك الفتحوية"؟. وعلى الإطلاق لن تكون حركة فتح بقيمتها المعنوية التمثيلية، والمادية الجماهيرية ضمن المستفيدين.
ضعف حركة فتح يعني بالضرورة تنامي قوى اخرى على الصعيدين المجتمعي والسياسي، قد يكونوا من التنظيمات الحالية او ملتقيات وتجمعات جديدة، لكن الأهم أن انحسار حركة فتح كحركة جماهيرية، وانعدام تأثيرها على صعيد حماية الهوية الفلسطينية، وحشد الجماهير والقوى الحية في المجتمع سيكون لصالح قوى " الأرقام" فأولويات المجتمع الفلسطيني اليوم تتجه يوما بعد آخر لتوفير فرص العمل، وتكلفة التعليم، وتكاليف الزواج، واخيرا الاولوية الوطنية على الترتيب حسب اخر استطلاعات الرأي، بسبب ارتفاع الاسعار، والسياسات الإقتصادية المتبعة واجراءات الإحتلال فقد وصل عدد الموظفين المرتبطين بقروض بنكية ال 77 الف موظف حتى الآن لصعوبة التوفير، وتأمين الأسرة الفلسطينية لمستقبلها في السكن على اقل تقدير دون الحاجة الى الإقتراض ويجعل الموظف " الطبقة الوسطى" مدانة للبنوك بمعدل 8300$ حسب تحقيق الصحفي منتصر حمدان، مما يعني ان قوى الجمهور عل صعيد الرقابة والتغيير على المستوى السياسي اصبحت عاجزة ومقيدة بالحرص على تأمين النجاة الإقتصادية الفردية، ولا قنوات واضحة تعبر عن ارادته ورؤيته في ظل غياب الانتخابات والمجلس التشريعي وأعضاءه وضيق الهوامش المتاحة امام الموطنين العاديين للتعبير عن انفسهم ضمن معادلة من ليس معي فهو ضدي التي ورثناها عن جورج بوش الإبن.
فالحرص على فتح ينبع من الحرص على بعث القوة والحياة في عروق الشعب الفلسطيني وتعزيز وصموده وإعادة ترتيب أولوياته فعلى مر التاريخ كان الشعب الفلسطيني يمثل شبكة الإنقاذ لقيادته، والشواهد كثيرة: عقب الخروج من بيروت والتيه بين العواصم العربية، وبعد فشل كامب ديفيد. فالفلسطينيون لا يملكون سوى الحلم والشعب، وعلى قيادة حركة فتح الإجابة على سؤال: كيف السبيل مع هكذا واقع؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء