هل سيحقق الغطاء الاقتصادي للجمود الحالي نتائج؟ بقلم: الدكتورعقل أبو قرع

19.03.2014 11:13 AM

قبل ايام، انعقد مؤتمر دولي، اي بمشاركة دول ومنظمات متعددة، وكان الهدف المعلن  هو توفير الدعم، وبحث سبل تنشيط او تحفيز الاقتصاد الفلسطيني، وبالاخص جمع المبالغ، لتنفيذ مشاريع، كبيرة وصغيرة، تساهم في زيادة الناتج الاجمالي السنوي وبالتالي تضخ النشاط في الاقتصاد الفلسطيني الضعيف وغير المستدام، والهدف الاكبر والاهم هو تحريك الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراكدة، في ظل الجمود السياسي الحالي، وتعثر المفاوضات، وعدم وجود افاق او انفراجات في المدى المنظور او المتوسط.
وقبل اسابيع او اشهر، كثر الحديث والنقد والتحليل والكتابة عن ما كان وربما ما زال يعرف ب " خطة كيري الاقتصادية"، وذكرت الانباء ان الخطة تهدف الى جمع حوالي او اكثر من اربعة مليارات من الدولارت، من الدول ومن القطاع الخاص وشركاتة وامتدادتة، والاستثمار في مشاريع كبيرة استراتيجية، وتشغيل الالاف من الخريجين الفلسطينيين، اي من الايادي المتعلمة والمدربة، وتحقيق النمو الاقتصادي، والبناء والتنمية والرفاة وما يمكن ان يتبع ذلك.

وسمعنا وما زلنا نسمع عن ما بات يعرف في المفهوم السياسي او الاكاديمي ب " السلام الاقتصادي" ، اي ليس الاقتصاد الذي يرافق او يرادف السلام او الذي يأتي كمحصلة للسلام السياسي، ولكن ضخ الاموال، او التعاون، او الشراكة، او الاستثمار الاقتصادي، والذي يعني الهدوء والاستقرار وبقاء للوضع الحالي، بدون اي حلحلة او اختراق على المسار السياسي، وما يعني ذلك من جمود في قضايا ومواضيع الارض والحدود والسيادة والقدس والمياة والاستيطان، وما الى ذلك.

ولا يجادل احد ان الاستقرار او الهدوء او توفر المقومات، والاهم الظروف السياسية ، هي من اهم ضمانات او حوافز تشجيع الاستثمار، وبالاخص الاستثمار من رجال الاعمال ومن القطاع الخاص، اي من الشركات وحاملي الاسهم ورأس المال الخاص، والذي هو الاساس لاي استثمار متواصل او مستدام، والذي هو المؤشر على الاستقرار وتوفر المقومات والبنى التحتية، وتوفرالقوانين والحوافز والتشريعات ، والنزاهة، وعدم وجود الفساد، والاهم توفر الافق السياسي، اي ان الاستقرار او الامل بأستقرار سياسي هو الذي يجر رأس المال الخاص والمال العام اي من الدول، للعمل وللاستثمار، وربما هذا ما حدث خلال السنوات التي تلت اتفاق اوسلو ونشؤ السلطة الفلسطينية، وما كان في ذلك الوقت من امل وتفاؤل.

ومعروف ان اوضاعنا صعبة وان  الديون المتراكمة على الخزينة العامة او العجز المتراكم في الميزانية يصل الى حوالي 4000 مليون دولار امريكي، ولا يجادل احد بحاجة الناس، وبالاخص الشباب، الذي يشكل النسبة الاكبر من المجتمع الفلسطيني،  وحاجة الخريجين الى العمل، خاصة ان نسبة البطالة في بلادنا تصل الى حوالي 25%، وان نسبة الفقر تصل الى ذلك كذلك، وبالتالي هناك الحاجة الى توفر العمل للعيش بكرامة ولبناء المستقبل، ولا يجادل احد اننا بحاجة الى الكثير من المشاريع، وبالاخص المشاريع ذو البعد الاسترتيجي، اي الطويل المدى، او المستدام، مثل مشاريع البنية التحتية، والمصانع والمطارات، ومشاريع السياحة، والتصنيع الزراعي، ومشاريع التكنولوجيا والمياة، وكل ذلك مهم لاي بلد، وبالاخص لبلاد مثل بلادنا
ومعروف ان مصادر الدخل الفلسطينية الحالية محدودة او مقيدة، وان توقعات الميزانية، تعتمد على جزء كبير من اموال المساعدات الخارجية، ومعروف ان المساعدات الخارجية ترتبط بالاوضاع السياسية، او بالافاق او المسار السياسي، وهي ترتبط كذلك بالاهداف او الرؤى السياسية للمانحين من دول ومن منظمات، اي انة ليس القطاع الخاص فقط هو الحذر من الاستثمار في ظل جمود سياسي وعدم استقرار، ولكن الدول المانحة لا تضخ اموالها في ظل اوضاع من عدم الوضوح او الاستقرار او التقدم على المسار السياسي، وبالتالي لا تستطيع تبرير ذلك لمواطنيها من دافعي الضرائب.

واذ لا ينكر احد اهمية الاقتصاد لتوفير العمل او لارساء دعائم البنية التحتية او حتى للحصول على البضائع بالجودة والسعر المناسب للناس، ولا ينكر احد ترابط الاقتصاد مع السياسة ومع الثقافة ومع التعليم ومع مناحي الحياة الاخرى، ولا ينكر احد حاجة الالاف من الموظفين لراتب اخر الشهر لتوفير مستلزمات الحياة اليومية ولدفع القروض للبنوك وللتفكير اوللتخطيط للمستقبل، ولكن ومن خلال التاريخ، لا يمكن ان يصبح الاقتصاد هو العنوان اوهو المحرك او الغطاء للادعاء بوجود تقدم، اوهو المؤثر للقبول بواقع  اوللحفاظ علية، اوهو الهم الرئيسي سواء للحكومة او للناس، خاصة في ظل الحديث عن قضايا ترتبط بالحقوق والمعاناة والمستقبل.

وبالتالي فأن المسار السياسي، هو الذي يسبق ويحدد مدى التقدم في المجال الاقتصادي، والتغيرات على الارض، من حواجز ومعابر والوصول الى الارض والمياة والمصادر الطبيعية، ومن حرية التنقل والتواصل، ومن توفر عوامل الاستقرار، ومن وضوح المستقبل، كل ذلك هو الذي يحدد مدى ومتى وكيف سوف يستثمر القطاع الخاص، سواء الفلسطيني او العربي او الدولي، وكذلك كيف وكم سوف تستثمر الدول المانحة في فلسطين، وما يتبع ذلك من اثار اجتماعية واقتصادية وما الى ذلك.

وقد يكون ضخ الاموال، وبكثرة في هذه المرحلة، اي في مرحلة التعثر وعدم تحقيق تغيير على الارض، قد يكون له تأثير ايجابي مؤقت، من حيث تشغيل الالاف من الشباب الذي يتوقون الى ذلك، ومن حيث تسهيل الحياة هنا وهناك، ومن حيث بث الامل عند بعض القطاعات، ومن حيث الايحاء بأن ذلك يرتبط بمسارات سياسية علينا ابداء المرونة فيها او حولها، ولكن كل ذلك سوف يكون مؤقت، اي ليس دائم او مستدام، وبدون ارضية صلبة، او بدون توافر عوامل الاستقرار للمدى البعيد.

وبالتالي، فأن الغطاء الاقتصادي، ومهما كان كبيرا او سميكا او جذابا، لن يحجب الجمود السياسي على الارض، ولن يجعل الناس، وبالاخص الشباب ان تنأى وفي ظل الرخاء وتوفر المشاريع وفرص العمل، عن القضايا الاساسية، التي هي قضايا وجود وحقوق، وبالتالي هل يمكن تصور ان قضايا اساسية مثل القدس، والارض او الجزء من الارض الذي سوف يتم مبادلتة، او المياة، او الاغوار، هل يمكن تصور مبادلتها بمليارات، او برفاة او بسيولة او بمشاريع وفرص عمل، واذا لا يمكن تصور ذلك، فهل يمكن ان يكون الزخم الاقتصادي، او السلام الاقتصادي، او المؤتمرات الاقتصادية الدولية وغيرها، وفي ظل تضاؤل الامل بتحقيق تقدم في مجال الحقوق، ان يكون البديل او الغطاء للجمود الحالي؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير