لحظة "عدم التركيز" الفلسطينية ..الدكتور احمد جميل عزم

19.03.2014 11:07 AM

في زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس إلى الولايات المتحدة، كانت أولوية اللحظة الأميركية هي ما يحدث في أوكرانيا والقرم، ثم مستقبل المفاوضات النووية مع إيران؛ أمّا الموضوع الفلسطيني، فلم يبدُ أنّه وصل اللحظة المتوقعة أو المتخيّلة، من طرح نقاط محددة. من هنا، لم تُعلن أي نقاط محددة لاتفاق إطار، وبدا اللقاء بين الرئيس عبّاس والرئيس الأميركي باراك أوباما، مجرد لقاء بروتوكولي، فيه تكرار لمواقف عامة غير محددة، تتحدث عن متطلبات التوصّل لاتفاق سلام، وذلك على عكس التوقّعات بأنّ الدّعوة التي وُجهت على نحو مفاجئ لعباس لزيارة واشنطن، هي لحظة تاريخية، وربما تتحول إلى محطة لمحاولة الحسم وتحديد نقاط للتوصل إلى حل، أو على الأقل التوصل إلى خطة عمل للأشهر المقبلة، تُسمى "اتفاق إطار". ولم يحدث شيء ذو معنى، باستثناء بوادر مراجعة أميركية لموضوع "يهودية الدّولة".
قبل زيارة الرئيس عبّاس، استقطب حديثه أمام المجلس الثوري الاهتمام؛ لا على خلفية ما فيه من نقاط تتصل بالمفاوضات، أو أُسس العمل الفلسطيني، أو المصالحة مع "حماس"، أو عقد المؤتمر العام لحركة "فتح"، بل ما يتعلّق بالحديث عن شأن محمد دحلان، عضو اللجنة المركزية للحركة، والصادر بحقه قرار فصل. وهذا هو الذي هيمن على اللحظة الفلسطينية.

لم يحدث استقطاب جماهيري بين عبّاس وبين دحلان الذي رد على خطاب عبّاس الطويل المفصّل، بلقاء ماراثوني طويل على قناة دريم (2) المصرية. ولم يكن رد دحلان ونبرته ومضمونه مفاجئاً، ولا يوجد شيء بعيد عن اللهجة المعتادة والمتوقّعة من دحلان.

استأثر خطاب عبّاس، ورد دحلان، بكثير من الوقت والمتابعة في الشارع الفلسطيني، وقليلٍ من الانحياز. وأثارا كثيرا من الحيرة وقليلا من المواقف. حاول الخطابان تقديم الكثير من المعلومات والأدلة والأجوبة، لكنهما أثارا فعليّاً الكثير من الأسئلة والاتهامات.

ذكَرَ الرئيس عبّاس أمثلة كثيرة عن الذين خَرَجوا من حركة "فتح"، بعضهم حافظ على كرامته، واحترامه، ووطنيته، وبعضهم، وفق أبو مازن، أصبح بندقية للإيجار، وانتهى -بحسبه- أيضاً إلى "مزبلة التاريخ"، قبل أن يصل إلى الحديث عن محمد دحلان.

والواقع أنّ هناك فارقا بين من ذكرهم عبّاس وبين دحلان، وهو أنّ الأخير "أُخرِج" من الحركة ولم ينشق أو يَخرُج. ولكن السؤال قبل ذلك كان بشأن دور دحلان في الحركة، ومدى هيمنته على القرارات، وصناعته للقرار؛ بما يفوق موقعه التنظيمي في الحركة، ويتناقض مع مسيرة غير مرضية شعبيّا في محطاتها بين عملية بناء أجهزة الدولة، التي كان لدحلان دور رئيس فيها، كما غير مرضية "فتحاويّا" على وجه خاص، بخسارة غزة "فتحاويّاً" بالمعنى المجازي، مرتين: أولاهما انتخابيّا لصالح "حماس"، رغم دوره القيادي الذي يشغله والذي حاول شغله، وزعمه ويزعمه، في التنظيم في غزة. وثانيتهما، خسارة القطاع عسكريّا لصالح "حماس"

أيضاً. والآن، لا تُثار هذه القضايا فقط، ولكن تُثار أيضاً قضايا تصل مرتبة الجريمة والخيانة، وهي تُثار إعلاميّا وليس قضائيّاً.

في واشنطن، تتجه الأنظار إذن إلى القرم وإيران، وأوباما لا يريد أن يواجه كلا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في آن واحد.

فلسطينيّا داخلياً، ينشغل الجميع في هذه اللحظة بنقاش خطابات ولقاءات تتعلق بخلافات داخلية، وقصص قديمة كان يجدر المحاسبة عليها سياسيّاً وقانونيّاً وقضائيّاً قبل زمن طويل. ولكنه انشغال المتابعة والتعليق، وليس مطروحاً الانحياز والاستقطاب. 

وحتى الحديث عن "الالتفاف" الشعبي حول الرئيس عبّاس في موضوع المفاوضات، والذي تحركت أوساط رسمية وسياسية فلسطينية لحشده، أصبح مرتبكاً، ليس انتصاراً بالتأكيد لدحلان، ولكن جزءًا من مشهد عام مرتبك.

عندما انشق المنشقون، عن "فتح" في الماضي، غَلّفوا موقفهم بكثير من المواقف السياسية، وبالحديث عن برامج مختلفة. أمّا الآن، فالحديث المتبادل عن قضايا جنائية وقضايا فساد. وبالنسبة للمواقف السياسية، فالحديث بأثر رجعي عن موضوعات جزئية من الزمن الماضي، ليصبح السؤال: لماذا الآن؟

الفلسطينيون لا يسألون الآن: "أنا مع من؟"، ولا حتى "ماذا نفعل؟"، بل "ماذا بعد؟"، و"من يُخرجنا من هذا الوضع؟" و"متى نبدأ بالتفكير في مستقبل المشروع الوطني؟".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير