حكومتان في مصر...بقلم: فهمي هويدي

16.07.2011 10:43 AM

يوم الخميس الماضى (14/7) أبرزت صحف الصباح المصرية العناوين التالية: إنهاء خدمة 505 لواءات شرطة و164 عميدا لأول مرة فى تاريخ وزارة الداخلية ـ مصدر عسكرى يقول: ملتزمون بالإعلان الدستورى والانتخابات البرلمانية ستجرى أولا وباب الترشح سيفتح فى شهر سبتمبر المقبل ــ النائب العام تسلم ملف موقعة الجمل وإحالة 25 متهما لملحاكمة ــ نجاح مفاوضات رفع أسعار الغاز المصرى لإسرائيل يوفر لمصر 4 مليارات جنيه تسهم فى رفع الحد الأدنى للمعاشات وسد عجز الموازنة ــ البورصة تنتعش وتسترد سبعة مليارات جنيه من خسائر الثلاثاء.

هل هى مصادفة أن تتابع هذه الأخبار فى أعقاب اعتصام 8 يوليو الذى رفعت فيه شعارات من أبرزها «الثورة أولا» و«القصاص والمحاكمة»؟ ـ أستبعد احتمال المصادفة وأرجح أن تكون وثيقة الصلة بالغضب الذى عبر عنه المعتصمون فى ذلك اليوم، لأنها جميعا تبدو وكأنها استجابة لمطالب الجماهير الثائرة، وهو تقدير إذا صح فإنه يعنى عدة أمور فى مقدمتها ما يلى:

● إن فى مصر الراهنة حكومتان. واحدة تمثل الجماهير والثانية تمثل العسكر. وإن خروج الجماهير إلى «مقراتها» «ومنصَّاتها» فى الشوارع والميادين أصبح الوسيلة الأكثر فاعلية فى مخاطبة حكومة العسكر بعدما لم ينجح المبعوثون والمراسيل وحلقات الحوار فى تحقيق المراد.

● إنه فى غياب وجود مؤسسات واضحة تعبر عن الرأى العام فإن الخروج الاحتجاجى أصبح الخيار الوحيد أمام الناس لإيصال صوت الجماهير إلى مسامع حكومة العسكر «الشقيقة»، الأمر الذى يضفى شرعية على الاعتصامات والتظاهرات التى تتبنى مطالب المجتمع فى المرحلة الراهنة إلى أن ينتخب الناس مؤسسات تنطق باسمهم وتعبر عن أشواقهم. وحتى يتحقق ذلك فينبغى أن نرحب بالاعتصامات والتظاهرات، مادامت تتم فى إطار التعبير السلمى والمتحضر، الذى يخدم مصالح المجتمع ولا يعطلها.

● إن ذلك الخروج بمثابة إشهار إفلاس الأحزاب التقليدية التى تتجاوز العشرين ولاتزال تقدم نفسها بحسبانها «قوى سياسية»، وتطالب بأن يكون لها دور فى صناعة الحاضر والمستقبل. وقد أثبتت التجربة أن تلك الأحزاب كان حضورها على الورق أكثر من حضورها على الواقع وأن ظهورها على شاشات التليفزيون بديل عن ظهورها أو فاعليتها فى الشارع.

 

● الأمر الثالث المهم أن تلك الخطوات التى تحدثت عنها الصحف طال انتظارها، وكان يمكن أن تصدر قبل عدة أشهر. إذ ليس مفهوما مثلا لماذا تأخر تطهير وزارة الداخلية مدة خمسة أشهر. ولماذا أيضا تأخر تسليم ملف موقعة الجمل «2 فبراير» كل هذه المدة، خصوصا أنها توفر وقتا كافيا للتلاعب فى الأدلة وفى أقوال الشهود، فضلا عن التلاعب فى محاضر التحقيق. كما لا يستطيع أن يكتم المرء حيرته إزاء الصمت الذى ران خلال تلك الفترة بخصوص الانتخابات، وكيف أنه سمح بإشغال الرأى العام ووسائل الإعلام بمسألة المفاضلة بين أيهما أولا: الانتخابات أم الدستور.

ولو أن المجلس العسكرى أعلن فى وقت مبكر أنه ملتزم بخريطة الطريق التى وضعت للانطلاق فى بناء النظام الجديد لوفر على الجميع الوقت الذى ضاع والاستقطاب الذى حدث من جراء إشغال الناس بالجدل حول الموضوع. ولا أريد أن أصدق ما يروج له بعض الخبثاء من أن ذلك كان مقصودا.

بوسعنا أن نقول إننا ضيعنا وقتا ثمينا خلال الأشهر الخمسة الماضية كان يمكن أن يستثمر على نحو أفضل لوضع أساس النظام الجديد بما يحقق الاستقرار السياسى والأمنى والاقتصادى. وأسوأ ما فى ذلك التأخير ليس فقط أنه انعكس بالسلب على احتمالات الاستقرار، ولكن أيضا أنه سحب الكثير من رصيد ثوار 25 يناير، خصوصا فى الجانب المتعلق بالالتفاف الشعبى حولهم. حتى أزعم أنه إذا كان الثوار قد ضاقوا ذرعا ببطء القرار السياسى وتردده فى حسم ملفات مهمة وحساسة فى البلد، فإن قطاعات لا يستهان بها من الرأى العام ضاقت ذرعا أيضا بالعديد من الممارسات التى نسبت إلى الثوار وأضرت بمصالح الناس العاديين وزادت من معاناتهم. وهو ما تجلى فى قرار إغلاق مجمع التحرير وقطع بعض الطرق المهمة، والتهديد بتعطيل بعض المرافق العامة التى فى المقدمة منها قناة السويس. الأمر الذى أضر كثيرا بمفهوم «الخروج الرشيد» الذى نعتبره حقا وندافع عنه.

فى هذا الصدد فإننى أزعم أن مثل هذه الممارسات تضغط على السلطة حقا، لكنها تضر بالثوار أنفسهم أيضا، ليس فقط لأنها تفتح الباب للفوضى التى يحلم بها عناصر الثورة المضادة، إذا لم يكن لها دور فيها، ولكن أيضا لأنها تشوه صورة الثوار والثورة ذاتها لدى المواطن العادى، وهو أمر محزن فى ذاته وفيما يترتب عليه. لأننى أحد الذين عولوا كثيرا على حضور ممثلى الثورة فى الانتخابات التشريعية التى تحل قبل نهاية العام. ولكن الممارسات التى أشرت إليها تسحب من رصيد هؤلاء الأمر الذى إذا استمر فإنه ينذر بإضعاف تمثيلهم فى المجلس التشريعى القادم وهو ما يزيد من معدلات الحزن والقلق.

عن الشروق المصرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير