في الذكرى الثالثة لحرب "الرصاص المصبوب" على قطاع غزةمحمد أبو علان:

26.12.2011 10:50 PM
لا زلت أذكر جيداً صباح أل 27 من كانون أول 2008 لحظة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي أطلق عليه الاحتلال الإسرائيلي حرب "الرصاص المصبوب"، حرب أعلنتها آنذاك وزيرة خارجية الاحتلال الإسرائيلي "تسيبي لفني" من قاهرة المعز وهي تقف لجانب وزير خارجية نظام مبارك المخلوع أحمد أبو الغيط.
كنا مجموعة من الأصدقاء نجلس سوياً نحتسي قهوة الصباح في إحدى المقاهي الشعبية في مدينة جنين، خيم الصمت على الجميع ونحن نستمع لرواية صديق لنا عبر الهاتف عن الصور الأولى للمجزرة التي ارتكبها طيران الاحتلال الإسرائيلي بحق المئات من رجال الشرطة المدنية في قطاع غزة، وعن الأشلاء المتناثرة في كل مكان بفعل القصف الإسرائيلي.
تركنا المكان فوراً، وعاد كلٌ منا إلى بيته ليتسمر لساعاتٍ طوال أمام شاشات الفضائيات التي كادت أن توصل لنا رائحة الدم واللحم البشري المحترق بفعل قنابل طيران الاحتلال الإسرائيلي من شدة هول وبشاعة الجريمة الإسرائيلية، ولم يكن بالإمكان تحمل هول وبشاعة الجريمة دون البكاء والدخول في حالة توتر عصبي وأنت ترى عمليات إنقاذ الجرحى وجمع أشلاء الشهداء تحت القصف الإسرائيلي المتواصل، وترى أطفال ونساء هائمين في أزقة غزة على غير هدى بحثاً عن ملجأ آمن.
ما زاد من التوتر ورفع درجة الانفعال العصبي تلك الأصوات النشاز التي خرجت من بعض العواصم العربية، ومن داخل فلسطين المحتلة حتى قبل أن تجمع أشلاء الشهداء من الشوارع تتهم المقاومة الفلسطينية بأنها استجلبت العدوان والموت لقطاع غزة، أصوات أرادت أن تقول للاحتلال الإسرائيلي أنك على حق، وأعطت انطباع للعالم أجمع أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تعيش في حالة دفاع عن النفس.
في الذكرى الثالثة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نستذكر استمرار الحصار ومعاناة المرضى بفعله، ونستذكر دماء (1400) شهيد فلسطيني معظمهم من ألأطفال والشيوخ والنساء، وآلاف الجرحى والمساجد والمؤسسات الأهلية والرسمية والبيوت المدمرة، ولن ننسى كذلك شهداء سفينة "مرمره" التركية الذين قدموا أرواحهم لنصرة الشعب الفلسطيني، ومن أجل رفع الحصار عن قطاع غزة.
معطيات شكلت بمجملها جرائم حرب نفذا بأبشع الأسلحة المحرمة دولياً وعلى رأسها الفسفور الأبيض الذي اعترف الاحتلال الإسرائيلي رسمياً باستخدامه، جرائم شاهد العالم أجمع بشاعتها، وشهد عليها عبر تقرير "ريتشارد غولدستون"، وعلى الرغم من هذه الجرائم لا زال مرتكبيها من قادة الاحتلال الإسرائيلي من سياسيين وعسكريين أحراراً طلقاء، لا بل تتضاعف جرائمهم ضد الإنسانية في كل يوم جديد يعيشونه على وجه البسيطة.
في هذا اليوم نستذكر شهداء قطاع غزة وكافة شهداء الشعب الفلسطيني الذين سفكت دمائهم على يد المحتل الإسرائيلي بمشاركة الدول الغربية وصمت الدول العربية، دول تصرخ اليوم وتتباكى على من يقتلون في العواصم العربية مدعيةً الحرص على حقوق الإنسان وحق الشعوب في الحرية وحقها في تقرير مصيرها.
فإن كان تباكيكم وصراخكم حقيقي على حق الشعوب في الحياة الحرة والكريمة، أين كنتم على مدار ستة عقود ونيف قتل خلالها الشعب الفلسطيني، ونفذت بحقه مئات المجازر على يد دولة الاحتلال ا"لإسرائيلي دون أن تحركوا ساكناً، لا بل كنتم عرباً وعجماً جزأً من العدوان والحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بشكلٍ أو بآخر.
فمن يدعي الحرص على الدم السوري الذي يسفك على يد نظام بشار الأسد، ويريد نصرة الشعب الليبي في مواجهة الموت الذي كان يزرعه القذافي في ليبيا، ويدافع عن حق الشعب اليمني بالثورة والتغير، عليه أن لا يتناسى أن هناك شعب فلسطيني يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ (63) عاماً.
ومن يريد نصرة الشعوب وحقها بالحياة لا يساند الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على لبنان في تموز من العام 2006، فبدلاً من أن يهب العرب لنصرة لبنان والوقوف معه ضد العدوان الإسرائيلي، أخذوا يوجهون اللوم والإدانة لحزب الله، موقف عاد وكرر نفسه في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في نهاية عام 2008.
مجريات وأحداث ومواقف تأتي لتؤكد حقيقة ادركناها منذ زمن طويل، إنها السياسية الأمريكية والغربية التي لا تقيم وزناً لا لحقوق الإنسان، ولا لحياة الشعوب في المنطقة العربية إلا بالقدر الذي تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ومن خلف هذه السياسية الأمريكية والغربية أنظمة عربية اختارت التبعية والخضوع لمقاييس هذه السياسية لكي تحافظ على عروشها، وتضمن نهب مقدرات شعوبها لصالح الغرب ولصالح عائلات اغتصب الحكم منذ عقود.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير