قراءة سريعة في القرار الاممي الاخير.. بقلم: عصام بكر

26.12.2011 11:51 AM
بفارق يوم واحد صدر عن الجمعية العامة للامم المتحدة قرار جديد وباغلبية ساحقة يتبنى القرار حق الشعب الفلسطيني في السيادة فوق ارضه بما فيها القدس الشرقية المحتلة ، وحق السيادة على موارده الطبيعية حيث صوت لصالح القرار 167 دولة وعارضه 7 دول من بينها الولايات المتحدة وكندا ، كما تضمن القرار حق الشعب الفلسطيني في التعويض عن الاستخدام واساءة استخدام بقصد وبشكل متعمد هذه الموارد ، والسيطرة عليها من قبل سلطات الاحتلال طوال السنوات الماضية ، وحق اتخاذ الاجراءات القانونية في مقاضاة دولة الاحتلال عن نهب المياة الفلسطينية والسيطرة على الاحواض المائية ومصادر المياة الجوفية ، ( ودفن) النفايات بجميع انواعها في الاراضي الفلسطينية بوصفها تدابير غير مشروعة تقوم بها دولة الاحتلال بقوة احتلالها العسكري على الاراضي الفلسطينية ومواردها .
فيما جرى التصويت قبل يومين من ذلك ايضا بتأييد 182 دولة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وهو ما يتيح الفرصة بهامش اوسع للتحرك على كافة المستويات الدولية لطلب المزيد من المساعدة الدولية والتأييد لنيل الشعب الفلسطيني لهذا الحق باسرع وقت ممكن ، وهو امر ايضا في غاية الاهمية يحمل العديد من الدلالات السياسية الهامة ويضاعف الجهود المطلوبة للتحرك الفلسطيني لمواصلة طرق ابواب المجتمع الدولي متسلحين بالمزيد من القرارات التي توسع دائرة التاييد للقضية الفلسطينية ، والمزيد من العزلة على خصوم الشعب الفلسطيني ومناهضي حقوق الشعوب في تقرير مصيرها .
وكما هو معروف فان توقيت التصويت على هذيين القراريين الهامين يأتي في ظل انسداد الافق السياسي لعملية السلام المتوقفة منذ سنوات بسبب مواصلة سياسة البناء الاستيطاني وتكثيفه في القدس بشكل خاص ، وايضا بعد التوجه الفلسطيني على ضوء ذلك للهيئات الدولية لطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين في المؤسسات الدولية باعتباره حق طبيعي وقانوني وسياسي للشعب الفلسطيني كفلته قرارات الامم المتحدة ذاتها بصفتها الرسمية كحامي للقانون الدولي ، هذا التوجه الفلسطيني لطلب العضوية في ايلول الماضي لم يتم التصويت عليه حيث مر الطلب بمناقشات ومداولات عديدة تم بعدها رده بسبب عدم حصول توافق على اقراره في لجنة العضوية كما اعلن مؤخرا ، بمعنى اخر تم افشال الطلب قبل الوصول الى مرحلة التصويت ، لتجنيب الولايات المتحدة استخدام حق النقد " الفيتو " الذي تم التلويح به عدة مرات ، في الوقت الذي لم يسدل احد الستار على تكرار المحاولة كلما سنحت الفرصة لذلك في اوساط القيادة الفلسطينية التي اكدت انها ستسعى لاعادة الكره من جديد في الوقت المناسب وانها لن تيأس عن الاستمرار بالتوجه حتى يتغير الراي السائد في اروقة المؤسسة الدولية ، واقناع العالم بالانحياز لعدالة القضية ، وأحقية الشعب الفلسطني بهذا المطلب بما يمثل من تجسيد لحق الشعوب في تقرير مصيرها وسيادتها فوق ارضها والتمتع بمقدراتها ومواردها الطبيعية.
الملفت للنظر والغريب في هذه القرارات هو حصدها هذا الزخم المتنامي من التأييد الكاسح لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والسيادة فوق ارضه من جهة ، واكتفاء العالم بالتعليق ان طلب العضوية لدولة فلسطين بحاجة الى المزيد من البحث والوقت والنقاش ولم يصل للموافقة التي يحتاجها للوصول الى مرحلة التصويت ( بفارق 9 اصوات من اصل 15 ) كما كان متوقعا وهذا بحاجة الى تفسير واضح لسلوك ومواقف المجتمع الدولي المتناقضة برغم ارتفاع منسوب التصريحات وبعض المواقف حتى على المستوى الاوروبي في ادانة الاستيطان والتوسع وعطاءات البناء الاستيطاني في القدس المحتلة بصفته غير شرعي ويقوض حل الدولتين ، ولكنها اي هذه القرارات لم ترقى لصيغ ذات طابع الزامي يجبر اسرائيل كقوة احتلال على وقف الاستيطان ، ولم يتم حتى التلويح باتخاذ اجراءات صارمة ومعاقبة اسرائيل على ما تقوم به من انتهاكات وتعديات تمس بشكل خطير روح القانون الدولي والدولي الانساني في استهتار واضح بكل هذه القوانين والاعراف والمواثيق الدولية .
ان هذه القرارات على اهميتها وتوقيتها بالنسبة للشعب الفسطيني وفي مرحلة بالغة الدقة على مستوى التحولات الاقليمية من جهة ، والصراع في الشرق الاوسط من جهة اخرى ، يتطلب متابعة على اعلى المستويات الدولية ، حتى لا تضاف الى مئات القرارات التي اتخذت منذ العام 1947 وبما فيها قرار التقسيم 181 الذي قسم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية تم اقامة الثانية بينما الاولى ما زالت في قائمة الانتظار من 64 عاما ، وغيرها من القرارات التي لا يتسع المجال لذكرها الان ، فالنوايا الحسنة والاعتماد على ارادة الاحتلال الذاتية ان ينهي احتلاله تلقائيا لا يمكن ان تخضع لقوانين السياسة والمنطق ولا حتى توازن المصالح بين الدول والاطراف التي تتشكل منها معادلة الشرق الاوسط .
الترجمة العملية لهذه القرارات بما فيها القرارات الاخيرة يأتي عبر تغير جدي وملموس على الارض ، باجراءات ملزمة ورادعة للاحتلال والزامه بالاحتكام لقوة الشرعية الدولية ، والا فأن سلسلة من العقوبات الدولية قد تتخذ ليس دفاعا عن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال فقط وانما دفاعا عن قرارات الشرعية الدولية وقوة القانون الدولي وحتى تستعيد المؤسسة الدولية مصداقيتها ويعاد الثقة بقرارتها ، وتسترد هيبتها كحامي للشعوب المقهورة ، والا كيف لنا ان نصدق ان هذه القرارات ستغير شيء على ارض الواقع في الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني ؟؟ فهل سيفتح الباب بهذه القرارات لانهاء نظام "الابرتهايد" في الاراضي الفلسطينية وخلق " زحزحة " في مواقف بعض الاطراف للتصويت على فرض عقوبات دولية اقتصادية وثقافية على اسرائيل ومقاطعتها وسحب الاستثمارات منها اذا لم توقف سياسة التطهير العرقي في الاراضي الفسطينية ، وتعلن صراحة الالتزام الكامل والحقيقي بالشرعية الدولية التي قامت هي نفسها بموجب قراراتها !!! ام سيضاف هذا القرار الى سلسلة القرارات المركونة على الرف منذ عقود طويلة ، نصفق لها ونهلل لها وتنال وجبات من الترحيب الحار والمباركة ثم تذهب ادراج النسيان ؟؟؟ وهل توفر هذه القرارت القوة الكافية لغطاء شرعي يتناسب من طرق ابواب محكمة الجنايات الدولية لطلب مساءلة دولة الاحتلال عن استخدامها للمياه الفلسطينية هذا مجرد مثل بسيط لمدى مطابقة هذه القرارات التي نرحب بها من جهة وبين ما يجري على ارض الواقع وبشكل يومي من جهة اخرى ، وهو اي القرار اختبار جدي لمدى وقوف المجتمع الدولي مع ذاته وقراراته هذه المرة لمعاقبة الجاني وانصاف الضحية ؟؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير