السياسة المالية بين التقشف والمكافآت والاعفاءات الضريبية ...بقلم:جهاد حرب
26.12.2011 11:45 AM

لكن في المقابل فإن محدودية التقشف تنطلق من أن أغلب الموازنة الجارية تذهب لرواتب الموظفين، وأن الموازنة التطويرية تعتمد بشكل كلي على المساعدات الدولية، وبالتالي فإن التقشف الممكن هو على بنود محدودة ومحددة في الموازنة التشغيلية، على الرغم من صغر حجمها، هي مهمات السفر والمحروقات وفواتير الهواتف (الثابت والخلوي) والعمل الاضافي. لكن ممارسات وزارة المالية وسياستها المالية تتجاهل هذا التقشف بل تقوم بصرف مكافآت لموظفي وزارة المالية في دعواتها للتقشف.
مكافآت في ظل التقشف
يثير قرار وزير المالية القاضي بمنح كافة موظفي وزارة المالية (الذين يبلغ عددهم أكثر من 1200 موظفا) مكافأة سنوية وصلت لبعض الموظفين إلى عشرة آلاف دولار في حدها الأفصى. دُفعت لِمن حصل على مكافأة العشرة آلاف دولار على دفعتين لأن التعليمات المعمول بها في وزارة المالية تضع حدا أعلى للمكافآت لا تتجاوز خمسة آلاف دولار في السنة ؛ طبعا حسب الدرجة الوظيفية والقدرة والنفوذ. وهنا لن نناقش كيف تم تمرير الجزء الثاني من المكافأة وعلى أي بند انفاق.
وإن كانت فكرة المكافأة في حد ذاتها جيدة ومشجعة. لكن آلية توزيعها وحدودها ينبغي أن تكون منطقية كأن يتم منح مكافأة لموظف أو مجموعة موظفين قدموا نموذجا متميزا في العطاء أو أحدثوا تطورا في آليات عمل الوزارة أو المؤسسة لا أن يكون جماعيا ودون معايير محددة ومعلنة وواضحة. والمكافأة هي أداة تشجيعية للموظفين فمؤسسات القطاع الخاص تمنحها حسب التقييم لتشجيع موظفيها على الجد والعمل والانجاز وزيادة الانتاج والمبيعات والتسويق لزيادة ارباحها.
وما يثير الاستغراب والحنق أن تأتي هذة المكافأة في ظل عدم قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ التزاماتها المالية. ففي بداية كل شهر يصيح كبار موظفي وزارة المالية بعدم القدرة على دفع رواتب الموظفين، وأن العجز مزمن ومستمر، وأن الوزارة غير قادرة على تسديد الالتزامات الخاصة بالموردين والمقاولين .....الخ. والمطالبة بالتقشف حتى في رواتب الموظفين والمتقاعدين وأسر الشهداء والأسرى كما فهم من تصريحات المحاسب العام لوكالة معا الاخبارية بتاريخ 15/12/2011. أم أن التقشف لا ينطبق على وزارة المالية؟
إن اختصار المكافأة على موظفي وزارة المالية يطرح العديد من التساؤولات منها؛ هل أن موظفي وزارة المالية لديهم ميزات تختلف عن غيرهم من موظفي القطاع العام الآخرين؟ ألا يوجد موظفين عديدين في وزارات مثل الصحة والاقتصاد والداخلية .... ألخ يقومون بأعمال تتعلق بحياة المواطنين وصحتهم وتقديم الخدمات بمهنية؟ أم أن الذي بيده المغرفة لا يجوع؟ أم أن هذه المكافأة هدية مُودع؟ أم أنها .....؟
الاغنياء لا يدفعون ضريبة الدخل
تثير الدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء بتاريخ 7 كانون أول/ ديسمبر الحالي، على هامش احتفالية الشفافية في فلسطين، لأصحاب الشركات بدفع كامل ضريبة الدخل والتخلي عن الاعفاء الضريبي الممنوح لهم مساهمة في حل الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية.
لابد من التذكير هنا بأن حكومة رئيس الوزراء هي التي أصدرت في 20/8/2007 قرارا بتمديد الاعفاءات الضريبية للشركات ورفعت الاعفاءات من 10% الى 50% التي حصلت على اعفاء بموجب قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1998، كما أن حكومته ألحقت ذلك بتنسيبها لرئيس السلطة لاصدار قرار بقانون بهذا الخصوص. وإن كان منح اعفاءات ضريبية لجلب المستثمرين خاصة في مجالات الاستثمار التنافسي معقولا، لكن تمديد اعفاءات وتوسيع نسبة الاعفاء لشركات حصلت على امتيازات "احتكارات" هو غير معقول وغير مقبول.
هذا عمليا يعفي الاغنياء (أصحاب الشركات والمساهمين الكبار) من دفع ضريبة الدخل فيما أبناء الطبقة الوسطى من موظفين وصغار المستثمرين وعمال وفلاحين يدفعون ضريبة الدخل تصل بعضها إلى نسبة 15% من دخلهم في حين تعفى الشركات من هذه النسبة أو يتم تخفيضها إلى النصف لمدد تصل إلى عشرين سنة.ناهيك عن الخلل البنيوي لضريبة الدخل في القانون الفلسطيني وعدم احترامها لمبدأ الاعدالة الضريبية في حين تشكل الضرائب غير المباشرة عبء كبير على كافة المواطنين وبخاصة الفقراء. مما يخلق فجوة كبيرة واسعة بين أصحاب رأس المال وهم أقلية لا تتجاوز الـ 1% مقابل أكثر من 99% من السكان. كما يدفع ذلك لتحركات اجتماعية لا تقف عند حد الاحتجاجات النقابية المنضبطة بل قد تصل إلى اضطرابات اجتماعية واسعة.
كما يلاحظ أن دائرة ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة في وزارة المالية لم تنجز التسويات النهائية لضريبة الدخل والقيمة المضافة لنتائج أعمال العديد من الشركات، وفقا للتقارير المالية السنوية المنشورة على موقع السوق المالي، ما بين الأعوام 2004 و2010.
تشير السياسات المالية المتبعة من قبل الحكومة إلى تماشيها مع السياسات المنتجة في البنك الدولي من منح الأغنياء اعفاءات ضريبية فيما تقصو على الطبقات الوسطى في تحصيل الضرائب. هذه السياسات نفسها فشلت في إحداث تنمية حقيقية في دول العالم الثالث بل إن اتباع أحدثت فجوات كبيرة بين الشرائح الاجتماعية، ناهيك عن أن تقاريره التي كانت تشير الى تطور الاقتصاد في كل من تونس ومصر بمعدلات نمو عالية كانت مغايرة للواقع المعاش في كل منهما كازدياد البطالة وانهيار الطبقة الوسطى واستحواذ عدد محدود من الرأسماليين على قطاعات الاقتصاد. ما يدعو إلى إعادة التفكير بالسياسات المالية والاقتصادية المنتجة في هذه المؤسسة الدولية باتجاه باتجاه انتهاج سياسات مالية واقتصادية تحقق العدالة الاجتماعية وليس النمو الاقتصادي فقط.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء