مليونية المرأة...بقلم:ساطع نور الدين

25.12.2011 11:04 AM
ما زال اسمها فتاة التحرير، ويشار اليها بالمحجبة ذات حمالة الصدر الزرقاء. لم يعرف لها اسم او عنوان او انتماء. على الرغم من أن صورتها التي انتشرت الاسبوع الماضي وهي تتعرض للضرب والسحل والتعرية من قبل الجنود هزت مشاعر المصريين واثارت هول العالم.
هي مؤمنة لكنها لا تنتمي لاي تنظيم إسلامي، والدليل ان أحداً من الاحزاب والجماعات الاسلامية لم يتبن الدفاع عنها ولم يرفع قضيتها على جدول اعماله. الأغرب من ذلك أن الإسلاميين حمّلوها المسؤولية عما تعرّضت له في ميدان التحرير في وسط القاهرة. بعضهم قال إنه كان يجب ان ترتدي زياً مزدوجاً قبل نزولها الى الشارع بحيث تتفادى كشف «عورتها» (وقصدهم هنا هو حمالة صدرها الزرقاء!) إذا ما تمكّن الأمن من تمزيق ثيابها الفوقية.
بلغ التنكر الإسلامي للظلم الذي تعرّضت له فتاة التحرير حد الاعتراض على المسيرات النسائية التي خرجت في شوارع القاهرة خلال الايام القليلة الماضية، تحت شعار مدوٍّ استعارته منهن صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية: «ناشطات عقل ودين» مع أن أغلب المتظاهرات كنّ محجبات قرّرن تحدي الرجال وثقافتهم ووعيهم، ومؤسساتهم السياسية كلها من دون استثناء.
امس الجمعة كان يوم الاختبار: قضية فتاة التحرير أعادت للثورة زخمها وبريقها. المليونية التي شهدها ميدان التحرير، ساهمت في إحراج الإسلاميين وإخراجهم من صفوف الثوار التي اندسوا فيها والتحقوا بها متأخرين وها هم يحاولون اقتسام مغانمها، في غزو مراكز الاقتراع من جهة او في إحراق المؤسسات والمجمّعات العلمية على يد الذين خانتهم الصناديق او الذين ينتهزون الفرصة لتصفية حسابات قديمة مع الدولة المصرية.
قاطع الإسلاميون مليونية التحرير التي كان شعارها «حرائر مصر .. رد الشرف» ليس فقط لتلك الفتاة المجهولة التي استهدفها الامن المصري، بل لجميع نساء مصر اللواتي كان لهن إسهام بارز في الثورة، منذ الشهيدة الاولى سالي زهران الى مئات الفتيات اللواتي تعرضن للقمع او التعذيب او الإذلال في فحوص العذرية وغيرها.
كانت مليونية أمس فرصة لاسترداد الثورة وإحلال المرأة المصرية في صفوفها الأمامية وفي شعاراتها الرئيسية.. والأهم من ذلك في إفساح المجال لها لكي تبتعد عن الإسلاميين الذين يشاركون المؤسسة العسكرية والأمنية في اضطهادها وضربها في الشارع (وفي البيت أيضاً).
لكنها فرصة يمكن أن تضيع مثل الكثير من الفرص التي أهدرها الثوار المصريون الذين حرّروا المجتمع المصري بكل ما للكلمة من معنى وارتقوا به الى مستويات عالمية متقدمة. قضية المرأة ليست حجة ولا ذريعة. هي أساس الثورة، اي ثورة. وعنوانها الأبرز والأسهل، لأن فك قيود النساء لا يحتاج الى الكثير من العناء، الذي يتطلب الصراع مع العسكر والإسلاميين الذين يحتكرون القوة او الحقيقة، ولا يستطيعون الصمود أمام حق امرأة واحدة بالحرية.
لم يكتسب الثوار المصريون امس حليفاً جديداً. المرأة التي انتصروا لها في مليونية التحرير شريكة لا بد منها.
عن جريدة السفير/ بيروت

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير