وأد "أحلام".. بقلم: ريما كتانة نزال

25.12.2011 10:37 AM
"أحلام"، لم تكن على علم بأن في بلادنا يتم الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة، ولم تنتبه قط إلى أن لها قانوناً متقدماً يحفظ ويحمي حقوقها كإنسان.
اتخذت العائلة قرارها بوأد "أحلام" حية، وعليه؛ تم تكبيل يديها وقدميها لسنوات غير معدودة. لم يكن بإمكان الفتاة الاعتراض أو الاحتجاج، صمتت الصبية كقبر، لأنها لم تكن لتملك ترف المشاركة بتقرير وضعيتها، ولم تكن، من حيث المبدأ، مؤهلةً لأن تدرك شذوذ حالتها، ولم يصل فيها الخيال إلى أن تعي أنها تُعاقب للمرة الثانية على صدفة حميمة دفعتها إلى حياة مرّة.
"أحلام" لم تواجه قدر السماء أو قضاء الأرض، ولم تصرخ بوجه أيّ وليّ، كما أنها لم تلجأ إلى المؤسسات النسوية أو الحقوقية، ولم تهرب إلى إحدى مؤسسات الإيواء أو الملاجئ شاكيةً من التمييز الممارس ببشاعة ضدها كإنسان وامرأة، لأنها ببساطة لا تميِّز.
العائلة توحدت، من الجنسين، على حكمها القاسي وعلى تبريره، فالفتاة مزعجة ومؤذية لغيرها من الأطفال، كما أن لديهم الخشية من سوء المعاملة والاستغلال ومن أشكال من الاعتداء التي قد تتعرض له الصبية بسبب إعاقتها الذهنية. كان الأمر سيكون متفهماً لو اقتصر وضعها على مقاصد الحماية الأسرية، لكن الحالة المزرية الذي وجدت عليها الفتاة، والمظاهر التي بدت عليها لا يمكن تفهمها أو قبولها. لأن من يريد حماية الفتاة بعزلها عن المحيط، لا يقوم بعزلها عن العائلة، كما لا يعرضها للإهمال الشديد والتجويع والقسوة. لقد وُجدت "أحلام" هائمةً وعاريةً وغارقةً في القذارة، مقيدة الأيدي والأرجل بالحديد والصديد، وتبدو عليها سلوكات وتصرفات لا تنتمي للآدمية كنتيجة لعزلها المطبق، وعضلاتها التي لم تجد حاجة إليها فاضمحلت وضمرت، فتتعثر بقدميها وبكلماتها المحدودة بعدد أصابع اليد الواحدة، وكلمتها المفضلة لا تُستوعب دون أن ترسم إشارة التهديد بأصابعها.. تلوح بها في وجه كل من يقترب أو لا يقترب منها.
حالة "أحلام" ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد تم العثور سابقاً على نساء وفتيات مقيدات في زريبة أو مغارة أو في غرفة، الأمر الذي يستدعي فتح ملف ذوي الإعاقة على مصراعيه بشكل عام، وعلى ذوي الإعاقة الذهنية بشكل محدد.
لقد تم إنجاز الكثير على صعيد تسليط الضوء على واقعهم واحتياجاتهم، وتم تبني قانون يلتزم بالمبادئ العامة لحقوق الإنسان القائم على عدم التمييز والحقوق الإنسانية المتساوية لبني البشر، إلا أن الاهتمام الفعلي والعملي ينزع نحو الشق النظري من المشكلة، وبما يخلق مسافةً واسعةً بين النظرية والمبدأ وبين التجسيد العملي للمنطلقات.
لدينا قانون يضمن العيش بكرامة وحرية ومساواة لذوي الإعاقة، كما تم وضع اللوائح التنفيذية للقانون، وصدر مرسوم رئاسي لتشكيل المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، كما نفّذت بعض الخطوات المحدودة باتجاه العمل على تمكين ودمج ذوي الإعاقة في المجتمع، واستفادت شريحة واسعة منهم لأشكال من المساعدات المادية، لكنها اقتصرت على فئة الإعاقات الحركية على الغالب.
من المفترض أن تخدم مأساة فتاة "يطا" تسليط النظر بتركيز على واقع احتياجات ذوي الإعاقة الذهنية بشكل خاص، فهذه الفئة التي تعاني الكثير بسبب عدم وجود بيانات توضح حجمها وواقعها. وبذات القدر من الاهتمام، مطلوب أن تحظى المؤسسات التي تستهدف هذه الفئة بالدعم والعناية من جهة، والرقابة ومتابعة مدى التزامها بأهدافها الإنسانية، حيث كشفت قصة "أحلام" عن تنصل بعض تلك المؤسسات، النادرة الوجود، من مهامها..
لا بد من رفع الوعي بمشكلة الإعاقة الذهنية والعنف الذي تتعرض له هذه الفئة من مجتمعنا، كما لا بد من توضيح شكل العنف الذي تتعرض له المرأة المعاقة من حيث حجمه وشكله وتكراره، وعدم السماح باستمرار التعامل مع هذه الفئة وكأنها ملك خاص للعائلة تفعل به ما تشاء، بل لا بد من رفع الوعي حول الحق العام للدولة ومسؤولياتها ودورها بحماية مواطنيها من ذوي الإعاقة، وأولاً وقبل كل شيء، لا بد من كسر الصمت المحيط بهذه الفئة، والعمل على توفير قاعدة بيانات لحجمها وتحريها بدءاً من مستشفيات الولادة، وتوفير الموازنات اللازمة والمراكز التي تستقبل هذه الحالات وترعاها.
المرأة المعاقة تخضع إلى اضطهاد متعدد الأبعاد، تلعب في جنباته العادات والتقاليد دوراً أساسياً. إن ظاهرة التمييز والاضطهاد للمرأة تتعقّد وتتعدّد في حال كون المرأة من ذوي الإعاقة بشكل عام والإعاقة الذهنية على وجه الخصوص بسبب عدم تمييزهن، لذلك ومن الطبيعي أن يقوم من يميِّز بمهمة الدفاع عن حقوقهن وكرامتهن، فنعمة أن يكون لدينا قانون متقدم، لكن بقاءه ديكور دون آليات تطبيق ورقابة، يحوله إلى نقمة تصب اللعنات على واضعيه وعلى المساكين من أمثال "أحلام".
جريدة الايام

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير