إسرائيل تهدم الغور

01.02.2014 03:52 PM

وطنوفا- جميل ضبابات:  يؤشر ركام مساكن هدمت قبل يومين شرق الضفة الغربية، إلى قسوة التحدي الذي يواجهه الفلسطينيون هنا؛ ففي موازاة الاشتباك التفاوضي على غور الأردن، ثمة اشتباك آخر في شعاب الضفة الشرقية.

ويصيح رجال من أعلى قمة تلة صغيرة يفصلها عن الحدود الشرقية بأن 'الجيش عاد. عاد لتكف النساء عن نقل حطام المطابخ البدائية التي سوتها الجرافات الإسرائيلية مع سطح الأرض الرملية.

لكن الجيش يواصل تقدمه عبر واد جاف، وعلى أطراف الوادي الشهير بوادي المالح، يستطلع الجنود فيما إذا أعاد السكان بناء خيمهم مرة أخرى، بعد أكبر عملية هدم، تشهدها المنطقة التي يحضر الأميركان أفكارا لطرحها أمام الفلسطينيين في أي اتفاق يجري الحديث عنه.

لكن السياسة حاضرة هنا بقوة على الأرض، فإسرائيل التي تسيطر على معظم مساحة الغور الذي يشكل نحو ربع الضفة، ويقع تحت سيطرتها الكاملة، بدأت بهدم الخرب التي يسكنها الفلسطينيون منذ سنوات.

واقفا إلى جانب كوم كبير من ركام منزله، يقول محمود الكعابنة، وهو أحد أفراد عائلة ممتدة فقدت كل مساكنها"لا يريدون أحدا هنا". ويعكس ما يجري على الأرض كل ما قد يصفه الكعابنة.

في أعالي الوادي يمكن استطلاع الركام في كل مكان. وعندما تغيب دوريات الجيش التي تراقب المنطقة، تجهد النساء في لملمة قطع بلاستيكية وبعض الأواني لجمعها في مكان ناء عن الشارع الرئيسي.

وقال السكان الذي يحاولون بناء ملاجئ بسيطة من البلاستيك المقوى، إن الجيش هدم كل شيء بعد انتهاء مدة قرار احترازي لمحكمة اسرائيلية أجلت الهدم لبضعة أشهر، ولا تلبث القوات المحتلة من الانتهاء من منطقة حتى تنتقل إلى أخرى على طول الشريط الشرقي للضفة الغربية من شمال أريحا حتى جنوب بيسان.

وقال الكعابنة، "جاءوا في الصباح الباكر ولم يمهلونا. هدموا كل شيء لم يسلم شيء"، وخربة أم الجمال واحدة من عدة خرب فلسطينية يجري إخلاؤها وطرد السكان منها.

وقال رئيس مجلس محلي المالح عارف دراغمة، إن الجيش الإسرائيلي هدم خلال العام المنصرم نحو 750 منشأة في المنطقة التي تتبع وادي المالح. في أم الجمال التي تحمل اسمها من تواجد تاريخي لرعاة الإبل فيها هدم الجيش كما يقول آل الكعابنة نحو 50 منشأة جلها مساكن بسيطة وحظائر للمواشي.

من على بعد، يمكن رؤية العائلات الرعوية تنتقل من مكان لآخر بحثا عما يمكن جمعه من بقايا الركام، وكلما هبت الريح يعطي صوت البلاستيك الممزق انطباعا بائسا عن هول ما جرى.

ونجح الفلسطينيون في المناطق الشرقية، جزئيا، بالبقاء في بعض الأماكن التي لم يطالها الهدم، لكن ثمة 275 إخطارا بالهدم فقط في حدود منطقة وادي المالح، وقال دراغمة: 'المحكمة الإسرائيلية أجازت للجيش هدم كل المنطقة".

وتظهر أجيال مختلفة من عائلة الكعابنة التي شردت من أراضيها عام 1948 تروي قصصا مختلفة عن التنقل في جبال المنطقة، بالنسبة لمحمود وأشقائه الخمسة، يعدو الأمر أكثر من كونه مجرد رحيل جديد في مسيرة حياة لا تعرف إلا الترحال، إنه اقتلاع جذور الفلسطينيين من الغور.

وقال محمود الذي يدفع بعض أبنائه للعناية بالإبل المحجوزة رغما عنها 'لا يمكن الاستمرار في هذه الحياة فوق التراب وتحت السماء التي قد تمطر في أي لحظة'.

وأضاف مشيرا إلى نحو خمسة أطفال يتمرغون فوق الركام "أين سيذهبون. أين سيذهبون؟". ويرفض الفلسطينيون كما جاء في تصريحات مختلفة أي صيغة تقبل بوجود إسرائيلي في المنطقة، لكن إسرائيل تعمل بكل قوة على طرد أي فلسطيني يحاول نصب خيمة في عرض الغور وطوله.

وقال محمود إن إعادة نصب الخيمة يعني هدمها مرة ثانية، وأشار الرجل إلى مجموعة من الرجال كانوا يحاولون التحرك ببطء لنقل بعض الطحين في مركبة رباعية الدفع من مكان إلى آخر، للتوقف ريثما ينسحب الجيش من المنطقة.

وقال "الآن لا تستطيع التحرك، لقد أفقت الليلة الماضية على هدير سيارة جيش كبيرة هنا، انا سأصاب بالجنون، هذا لا يمكن احتماله".

وقال آل الكعابنة إن نحو 100 من المنطقة باتوا بلا مأوى، وأضاف 'هناك 30 طفلا بلا مأوى'. وتختفي ابتسامة الرجل كلما لاذ بعينيه نحو أطفال يحتمون ببراميل ماء من ريح شرقية.

في حالة عصبية جدا، قال سالم النجاده وهو رب عائلة كبيرة في المنطقة إن الحياة صارت "جحيما". يردد المعنى ذاته رجال آخرون تحلقوا حول ركام منزل محمود في أعلى تلة تشرف على مستوطنة يجري توسيعها يوما بعد يوم.

وفيما يجلل الرجال رؤوسهم بكوفيات تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، تجلل المنطقة سحابة كثيفة من الخوف من مصير مجهول، يشبه مصير المساكن التي يقفون فوق ركامها.

وقال محمود دافعا بأقوى صوت يطلقه في الشعاب، 'إنهم قادمون يختبرون صبرنا على البقاء'، وكان يشير إلى دورية أخرى من الجيش تراقب تحركات السكان.

تصميم وتطوير