ما زلنا نسقط في شرك الانفصال :عميره هاس

16.01.2014 12:33 PM

وطنلم يكن انتهازيا بل استراتيجيا صهيونيا، هذا ما كان عليه اريئيل شارون. إن الاقلال من أهميته السياسية هو الوجه الآخر من وجوه مهرجان توديع الجد المليء بالفكاهة. حينما يودع الفلسطينيون أبطالهم بدرجة 1 على ألف من الاحتفال الرسمي الذي مُنح لبطل 101، تردد وسائل الاعلام أن ذلك "تحريض" و"دعم للارهاب". لكن عدد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلهم شارون والذين هو مسؤول عن قتلهم يزيد على عدد الاسرائيليين الذين قتلهم كل المفرج عنهم بصفقة شليط والذين أفرج عنهم جون كيري، معا.

أخلى شارون عددا من المستعمرات من اجل الرؤيا السامية حقا وهي الكانتونات الفلسطينية. ومن المخيب للآمال مبلغ سقوط معارضي احتلال صادقين مرة اخرى كما في السنوات الاولى من مسيرة اوسلو، في شرك التصور الخطي. فكما ابتهجوا لاخراج الجيش الاسرائيلي من المدن الفلسطينية ونشره حولها، استنتجوا في 2005 ايضا أنه يوجد خط مباشر بين اخلاء عدد قليل من المستوطنات واخلاءات اخرى.

لم يحجم شارون عن التضحية بحياة جنود يهود في حرب نظام جديد في لبنان، فلماذا يحجم عن المس بمشاعر بضعة آلاف من المستوطنين من اجل مئات آلاف المستوطنين في الضفة والقدس؟ وقد صاغت اسرائيل بمبادرة منها بموازاة الاستعدادات من طرف واحد لتفكيك مستوطنات القطاع، صاغت منظومة الشوارع المزدوجة والمستقلة في الضفة. وسمي ذلك "اتصال مواصلاتي" وهو معروف ايضا بالاسم المغسول "نسيج حياة". وهي منظومة طرق وانعطافات وجسور وأنفاق تُبعد أبناء البلاد الفلسطينيين عن الشوارع السريعة بين "الكتل الاستيطانية" المتوسعة واسرائيل، وتصل بين الجيوب الفلسطينية من جهة "المواصلات".

وقد فكر شمعون بيرس في سبعينيات القرن الماضي بشبكة الشوارع التي تربط باسرائيل. وناضل الفلسطينيون خططهم "التي تلتهم الارض" في المحاكم في ثمانينيات القرن الماضي، ووافق ياسر عرفات أكبر الساقطين في شرك التصور الخطي والتدريجي، وافق عليها في تسعينيات القرن الماضي. كان آفي بريمور الذي صاحب شارون لكونه نائب المدير العام للشؤون الافريقية في وزارة الخارجية في بداية ثمانينيات القرن الماضي، صاحبه الى رحلات في افريقيا، وحدث صحيفة "هآرتس" عن اهتمام شارون الكبير الذي أظهره آنذاك بالكانتونات. ويقول بريمور إن الذي استهوى شارون هو كيفية عمل ما يشبه الدول المستقلة التي سيطرت عليها جنوب افريقيا والتي كان مواطنوها المسجلون يستطيعون السكن بصفة سكان وراء "الحدود".

وبدأ بريمور يظن بالتدريج أن "شارون لا يفكر في جنوب افريقيا بل فينا". وبعد نحو من عشرين سنة، حينما قال شارون إذ كان رئيس الوزراء إنه سيعطي الفلسطينيين دولة، فهم بريمور قصده جيدا فقال: "سيعطي في أحسن الحالات 60 بالمئة من مساحة الارض ويُقسمها بحيث يحاط كل قسم بمنطقة اسرائيلية ونسيطر نحن على الدخول والخروج".

لكن شارون طور فقط خطة الفصل والتمييز العنصري المحلية التي دفع بها بيرس واسحق رابين وباراك الى الأمام بصورة مستقلة برعاية اعتبارهم ساسة سلام. إن اخلاء القطاع من طرف واحد – والذي يسميه زميلي جدعون ليفي بلا هزل "أكبر انجازات" شارون – وجه ضربة قاتلة الى واحدة من المادتين الايجابيتين الوحيدتين في اتفاق اوسلو (هما ايجابيتان من جهة مستقبلنا المشترك في البلاد): وهي أن القطاع والضفة الغربية وحدة واحدة.

أظهر شارون بالانفصال أنه لا حدود لقوة اسرائيل البيروقراطية – التكنولوجية لأنه يمكن أن يُحكم القطاع بتحكم من بعيد، ويمكن بقرارات شديدة الوطء (كمنع الغزيين من العمل في اسرائيل وقطعهم عن سكان الضفة) – يمكن السيطرة على القيادة الفلسطينية ايضا: باضعافها وإساءة حالها لتصبح مستجدية، وأن يُطلب اليها في موازاة ذلك أن تظل مقاولة ثانوية للـ "الشباك" والجيش الاسرائيلي وإلا عوقبت – وأن تحظى بتصفيق الولايات المتحدة ايضا.

لم يكن ذلك "تحول" شارون بل كان مواصلة طبيعية لاستراتيجية اسرائيلية مؤمنة بالقوة طورها اصدقاؤه – خصومه في حزب العمل. وقد جبت وستظل تجبي ثمنا من الدماء كبيرا مؤلما من الشعبين اللذين يعيشان في الارض الكاملة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير