مفاوضات ممر الضفتين؟ د. أحمد جميل عزم

07.01.2014 11:03 AM

هناك ما يكفي من المؤشرات أنّ وزير الخارجية الأميركية جون كيري، وصل في نقاشاته لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية إلى التفاصيل، وما يجري ليس مجرد نقاش أفكار عامة، أحد المؤشرات ساعات النقاش الطويلة، إذ يُقدر مجموع الساعات التي قضاها مع الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى 21 ساعة، تبعتها لقاءات مع الملك عبدالله الثاني، في الأردن، والملك عبدالله آل سعود في الرياض، ثم عودته ثانية إلى فلسطين في اليوم ذاته، أضف إلى هذه لقاءه أوساطا إسرائيلية لم يلتقيها سابقا، مثل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، بمعنى أنّه دخل في إقناع الأطراف المختلفة بشيء ما.

ولكن من التفاصيل ذات الدلالة على فحوى النقاشات، ما ذكرته "نيويورك تايمز"، عن أنّ: "المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون يصارعون للتقدم في محادثات السلام التي أطلقها وزير الخارجية جون كيري، ولكن لا زال هناك خلاف حاد بشأن الممر الاستراتيجي بين مناطق الكثافة السكانية في الضفة الغربية والحدود مع الأردن". وعنوان تقرير الصحيفة هو "الممر الاستراتيجي في الضفة الغربية حجر عثرة في محادثات الشرق الأوسط".

رغم هذا توضّح الصحيفة أنّ الجانب الفلسطيني، يصر على انسحاب إسرائيلي عسكري واستيطاني بحيث يسيطرون بأنفسهم على حدودهم، باعتبار ذلك جزءاً من دولتهم المستقلة ذات السيادة. وبحسب الصحيفة ذاتها هناك بلبلة في الجانب الإسرائيلي، بسبب حديث نتنياهو المتكرر عن الوجود العسكري في الأغوار، دون الحديث عن المستوطنات، وأنّ هذا يُخشى أن يكون تراجعاً منه عن بقاء المستوطنات.
قفزاً من موضوع الأغوار، فإنّ الأنباء أنّ جزءاً مما ناقشه الوزير الأميركي في السعودية، هو موضوع حل قضية القدس، ويبدو أنّه يعود لفكرة قديمة هي توسعة حدود بلدية القدس، لتكون أبو ديس والعيزرية أو مناطق في ضواحي القدس، عاصمة الفلسطينيين. ولكن كيري، على ما يبدو لا يبحث فقط في القضايا الفلسطينية – الإسرائيلية بل لديه تصور أوسع، لكل المنطقة لذلك يقول، بعد لقائه العاهل السعودي "تخيل ماذا يعنيه السلام للتجارة، والسياحة، وماذا يعنيه لتطوير التكنولوجيا والموهبة، لفرص العمل للجيل الأصغر، للأجيال في كل هذه الدول".

يتحرك كيري إذن بدأب غير تقليدي، ولديه تصّورات لتحولات تاريخية. ولكن كيف نربط بين الحديث عن "ممر"، وعن أنّ الفلسطينيين يصرون على انسحاب كامل. وماذا يعني الذهاب إلى الأردن والسعودية.

الأردن شريك حتمي في قضايا الحدود واللاجئين، بحكم الجغرافيا والديموغرافيا، أمّا السعودية فعدا عن أهمية إشراك دول عربية في التخاطب مع الفلسطينيين، فإنّ السعودية مهمة بالنسبة لموضوع القدس والقبول العربي والإسلامي بترتيبات معينة هناك، وربما مهمة في تطبيقها، ومهمة أيضاً في تقديم وعود للإسرائيليين بشأن التطبيع والانفتاح الاقتصادي على الإقليم.

أمّا التوفيق بين حديثي "الممر" و"السيادة"، فيمكن فهمه في إطار الاتفاق الإطاري الانتقالي الذي يريده كيري؛ فإحدى الفرضيات، مثلا، أنّ الممر سيكون جزءاً من ترتيب ما للدخول والخروج من الأراضي الفلسطينية، في مرحلة انتقالية، قد يدّعي المفاوض الفلسطيني أنّها ليست انتقالية، بل هي عملية تطبيق متدرج لاتفاق نهائي يتم التوصل إليه. بمعنى أنّه قد يوضع نص عام مرجعي لشكل الاتفاق النهائي، مع ترتيبات انتقالية تدريجية وصولا إلى هذا الهدف، بعضها سيتم الاتفاق عليه، وتطبيقه وفق جدول زمني، وبعضه سيترك رهينة أمرين؛ الأول التفاوض على ما سيقال أنّه تفاصيل تطبيق للقرار، والثاني ليكون ضمن مرحلة اختبار إذا كانت المطالب الأمنية الإسرائيلية تتحقق، ويشكل هذين الأمرين مهربا من اتفاق نهائي، ومخرجا للإسرائيليين ربما للهروب مستقبلا. في الأثناء فإنّ كيري يريد إغراء الإسرائيليين بالحديث عن تطبيع إقليمي. ويضع كيري أجندة للبحث والتفاوض، يستخدم فيها مصطلحات جديدة نسبيا، فبدل كلمة الحدود يستخدم كلمة المناطق (Territory)، وبدل الحديث عن "الدولة اليهودية" أو "الدولة الفلسطينية"، يستخدم تعبير "الاعتراف"، إضافة إلى هذا يتحدث عن الأمن، والقدس، واللاجئين.

المشكلة أنّه حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى أنّ ما يجري ليس أوسلو 2 أو 3، أي اتفاق انتقالي لا ينهي الاحتلال والاستيطان، بينما يسمح بالتطبيع الإقليمي مع إسرائيل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير