طائرة فتح ! .. كايد معاري

04.01.2014 11:34 AM

مرت الذكرى التاسعة والاربعين على انطلاقة حركة فتح، كأي عام مع فارق تراجع المشاركة الجماهيرية والقاعدية فيها، وإن ظهر عكس ذلك في بعض المناطق والاقاليم، التي استلم مؤخرا قيادتها نخبة من الكادر الشبابي والاسرى المحررين.
تمر الذكرى هذا العام في ظل هروب المستويات التنظيمية العليا إلى الأمام دون قرار جدي في طرح القضايا الوطنية والتنظيمية على طاولة النقاش.

يتطلع الكادر الفتحاوي الى اثارت تساؤلات مؤلمة تتعلق بالحلم الذي حملته فتح على متن طائرتها، التي شكل الشهيد ياسر عرفات هيكلها الإنسيابي مكنها من الطيران واختراق كثير من الجدران والمطبات التي وضعت امامها وهذا ما يشير له حديثا نبيل عمرو في كتابه " ياسر عرفات جنون الجغرافيا" ، وكانت اجنحتها تتمثل بخليل الوزير من جهة، وصلاح خلف من الجهة الأخرى، الأول صاحب الخبرة العسكرية الفذة، ومخطط ابرز العمليات النوعية حتى قال عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق شامير إن وصول ابو جهاد الى ديمونا يجعله لا ينظر إلى الخلف " في إشارة لقوة ضرباته العسكرية.

والجناح الاخر الذي تسيده الراحل صلاح خلف، المعروف بقدرته على بناء التوجهات والاستراتيجيات والتحالفات التي انقذت الثورة الفلسطينية من مخاطر وجودية كأحداث ايلول، والحرب الاهلية في لبنان، وهو من شكل مدرسة فكرية كادت تكفر بالأمة العربية حينما شبهها احد الزعماء العرب بالابقار، ونحج اليوم بين العواصم لنؤمن " كفاف اليوم".

ولا تفتقد "طائر فتح" اليوم لجناحيها وهيكلها الانسيابي فحسب بل لذيلها صانع التوازنات الاقليمية متمثلا بفاروق القدومي، وخالد الحسن بموسوعيته المعرفية وإن جاز لنا التعبير صاحب الإطار النظري في هذه الطائرة.

هذه الكوكبة من القادة لا تمثل شخوصها ومكانتها التنظيمية والسياسية والعسكرية والفكرية، بل ايضا هي من ضمن كل حسب دوره في تأمين الوقود " الجماهير" التي دفعت هذه الطائرة لتحقق بعضا من الأهداف التي رسمت لها قبيل انطلاقتها.

التساؤل الذي يطرحه الفتحاويون كلما مرت ذكرى ، أين نحن من تاريخ فتح ورؤيتها وأدبياتها؟ وإلى أين تسير هذه الطائرة ؟ أم انها تراوح مكانها ويتآكل ما تبقى من معدنها واجهزتها وحتى عجلاتها بعد تلاشي هويتها كحركة تحرر وطني وملازمتها للمكان ذاته منذ عقدين على الأقل بلا قدرة على المناورة السياسية التي عرف بها عرفات، ولا امكانية لتعبئة الأجيال فكريا وتنظيميا يحصن ابنائها في وجه التحديات المعاصرة، ولا قدرة على إيلام الإحتلال ولو نسبيا كما فعل أبوجهاد، اضافة الى غياب القدرة على بناء تحالفات جديدة خارجة عن الإطار المعهود فلا ندري كيف اصبحت فتح محسوبة على الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية، والذي ثبت بوجه قاطع عدم نجاعة الاولى سياسيا وتمويلها للسلطة الوطنية الفلسطينية حفاظا على " حل الدولتين"، وتحالف الثانية الاستراتيجي مع اسرائيل، ذاك التحالف الذي لم ننجح في اختراقه قيد انملة.

ولم تتوقف سنوات التيه الفتحاوي على انسداد الأفق السياسي، وضياع القوة الأمنية والعسكرية، بل امتد لتراجع شعبيتها الجماهيرية وغيابها عن ملامسة احتياجات الطبقات المهمشة والاقل نفوذا في المجتمع الفلسطيني، والذي يتضح جليا هذه الايام مع عدم لعب فتح لأي دور في حماية هذه الطبقات امام تغول الغلاء المعيشي والسياسات الاقتصادية للبنك الدولي والتي جعلت الشعب الفلسطيني في منطقة لا يستطيعون معها الذهاب لانتفاضة ثالثة او صنع اتفاقية سياسية عادلة كما وصفها خالد الحسن حين سئل عن تعريفه للسياسة مجيبا بأن السياسة تعني الصدق مع الجماهير والمناورة مع العدو  في إطار العدالة.

امام كل ذلك اجد ان حركة فتح تقف الان على مفترق طرق وجودي يتمثل بمدى قدرتها على إعادة تعريف نفسها كحركة تحرر وطني، وتعيد الإعتبار لمؤسساتها الحركية التنظيمية وخاصة الشبابية، والفكرية والسياسية ، لتستطيع الحركة العودة لبحر الجماهير وتلبي تطلعاتهم وامالاهم، عوضا عن تعزيز نفوذ مجموعة من الاقتصاديين الذين اصبحوا اليوم يوازون في قوة التأثير تنظيمات فلسطينية تاريخية.
وكلمة السر الفلسطينية الفتحاوية في الخروج من المأزق تكمن بما قاله ابو اياد منذ عقود " يعيشون بواقعهم فيستسلمون ونعيش بأحلامنا فنجعلها حقائق" فضريبة تحقيق الحلم اقل تكلفة من ثمن انهاء مسيرة الطائرة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير