ما الحقيقة؟! بقلم: رامي مهداوي

04.01.2014 11:22 AM

 هذه الأيام لا تستطيع أن تضحك على طفل لم يتجاوز خمس سنوات بإعطائه معلومة خاطئة كي تنفذ أنت ما تريد، الأمور اختلفت كلياً الطفل يعرف ما.. لماذا.. أين.. كيف.. متى يريد؟ ومن يتعامل بأن شعبنا الفلسطيني ساذج.. مفقود.. مجنون... غير لائق... عليه مراجعة حساباته فوراً، الأمور ليس كما أنت تريد، فأنت الأضعف في هذه المعادلة.

خلال الأيام الماضية استمعت بتفاصيل التفاصيل لحالات الرفض والاستنكار... استمعت للاستهجان والبراكين الداخلية في صدور الناس بغياب الحقيقة، وبغياب الحقيقة يصبح الفضاء مباحاً لكل المعلومات والأحاديث المخترعة اختراعاً مفصلاً مع إخراج سينمائي في "هوليوود"، في غياب الحقيقة التي يجب أن تقال مهما كلف الأمر نزداد انهياراً بشكل سريع لمصالح أشخاص لا لمصلحة وطن وشعب.
تسارعت الأحداث بشكل كبير - وستتسارع في الأيام والأشهر القادمة - وكل حدث يتم تداوله بطريقة معومة لتصبح الحقيقة ضحية نسبية.. نتفق نختلف وتتحول لمادة حديث لا أكثر ولا أقل، بالتالي لا تعالج بالشكل المناسب الصحيح ما يجعل المواطن ضحية الحقيقة التي يجب بالأساس أن تكون هذه الحقيقة هي الداعم له في مختلف مسارات حياته.
أمثلة سريعة متنوعة لما أقصده: مشروع قناة البحرين، المصالحة، زيارات كيري، فيضان غزة، مخيم اليرموك، مقتل السفير الفلسطيني لدى جمهورية التشيك جمال الجمل، إطلاق النار على كل من عضو المجلس التشريعي - جاري العزيز - ماجد أبو شمالة... وعضو المجلس الثوري لحركة فتح وزير الأسرى الأسبق د. سفيان أبو زايدة.. ووزير الأوقاف والشؤون الدينية محمود الهباش، ملفات فساد.....الخ
إن عدم التحدث وكشف المعلومات للمواطن يجعل الأمور تزداد غليانا وتوترا، ويجعل من الإشاعات المدمرة هي الحقيقة التي سيتم التعاطي معها، ما يؤدي إلى تكون صورة قاتلة سيصعب تفكيكها لمعالجة الحقيقة ذاتها، الأمثلة السابقة لا توجد لها رواية متفق عليها بين مكونات المجتمع المختلفة فتولد ساحة معركة بين القطاعات المختلفة لا داعي لها، لكن الكل يريد أن يثبت أنه هو اللاعب الأساسي من ناحية والحفاظ على المصالح الشخصية من ناحية أخرى.
بعد ليلة رأس السنة، تحدث الجميع بمعلومات كأنها يقين بأن عدد السرقات التي تمت بمدينة رام الله ما بين 40 إلى 60 حالة سرقة؟!! بالصدفة في متحف محمود درويش تحدثت أنا والصحافية المتألقة دائماً نائلة خليل حول الموضوع لتكتشف هي وضمن التزامها الأخلاقي المهني بالكشف عن الحقيقة، بأن الحقيقة مختلفة كلياً وهي أن حالات السرقة التي تمت لم تتجاوز الأربع حالات.
هذا مثال حساس بسيط يلامس الأمن المجتمعي، لهذا على المعلومة أن تتحدث عن ذاتها بذاتها مهما كان الأمر مكلفاً، مهما كانت الحقيقة موجعة جارحة، لكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن نتعاطى معها وبروح المسؤولية لا بروح المزاودة والتدمير البنيوي الذاتي.
هناك من يتعامل بأن الحقيقة ملكه وملك عائلته، الراعي هو من يشارك الرعية المعلومات ويفتح المجال لأي مناقشات حول الحقيقة حتى لو اختلفنا عليها، مشاركة الحقيقة أفضل من قتلها، "الفيلسوف ول ديورانت في كتابه "قصور الفلسفة" يقول: هناك تساؤل كيف نجيب عن السؤال الخادع؟ هل نتبع عقلنا المغامر؟ أم الحكم الغاشم لحواسنا؟ وأما السؤال فهو ما هي الحقيقة؟ في رأيى الحقيقة هي نتيجة لمجموعة من المقدمات الكبرى التي تتجمع داخل العقل الإنساني في حين أن الحقيقة نفسها لا توجد داخل العقل لأن عقول البشر مختلفة فإذا كانت متشابهة اختفى معيار الصواب والخطأ وكذلك لا توجد في الحواس لأن جميع حواس البشر متشابهة فالكل يرى الشجرة - مثلا - على هيئتها والجميع يشعر بالحرارة والبرودة على درجات متفاوتة أما إذا اضطربت الحواس بشكل أو باخر فسيختفي معيار الصدق والكذب لذا فنحن لا نثق في الحواس كمعيار للحقيقة لأنها ناموس ثابت وأزلي."
أن أي عملية تنموية كانت بحاجة إلى الحقيقة، أي تخطيط مستقبلي بحاجة إلى الحقيقة، أي بناء معرفي بحاجة إلى الحقيقة، أنا الكاتب بحاجة إلى حقيقة، أنت القارئ بحاجة إلى الحقيقة، ومن صعيد آخر فإن علاج أية أزمة كانت تبدأ من الحقيقة، والحقيقة يجب أن تأتي من رأس نبع مالكها، حتى تضع اليقين على الطاولة ولا تدع مجالاً للشك.
لهذا يلجأ البعض لأخذ المعلومات من مصادر غير مصدرها، بعد أن رفض مصدر الحقيقة إعطاءه أي معلومات، على سبيل المثال لا الحصر المفاوضات، لماذا يلجأ الصحفي الفلسطيني للذهاب إلا ما هو غير فلسطيني للبحث عن الحقيقة التي ستعكس حقيقة أخرى يعلمها الجميع. يقول سيد الكلمة: "والحقيقةُ بيضاءُ ناصعةٌ حين تمشي الضحيِّةُ... مبتورةَ القَدَمَيْنِ على مهلها... و"الحقيقة شخصيَّةٌ".. في القصيدةِ
لاهِيَ ما هِيَ أو عكسها... إنها ما تقطَّر من ظلِّها!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير