شجرة بغي وذبّان طمع...بقلم: زكريا محمد
07.12.2011 05:04 PM

القسم الأول: لا يقبل إلا أن يكون غطاؤه كاملا من رأسه حتى أخمص قدميه. أي أنه يضع كل تصرّف من تصرفاته على المحكّ الأخلاقي قبل أن يبادر إلى ارتكابه.
من هذا الصنف– عادة – يخرج القديسون والشهداء، أو البلهاء من وجهة نظر أخرى.
القسم الثاني: يحاول أن يغطي نفسه ما أمكن، لكن العالم الضاري لا يمكنه من أن يعيش بغطاء كامل. لذا ينكشف هذا الجزء أو ذاك من جسده، بين الحين والحين. أقصد أنه يضطر للقيام بمساومات كثيرة، لكنها ليست مرعبة، لكي يتمكن من النجاة.
وإلى هذا الصنف من الناس ينتمي أمثالنا من المستورين.
القسم الثالث: لا يهمه أبدا أن يكون عارياً وبلا غطاء. فليس عنده مقياس يقيّم بواسطته سلوكه سوى ذاته ومصالحه. فهو مقياس نفسه. وكل ما يلائمه ويلائم مصالحه أخلاقي ومقبول.
ومن هذا الصنف يخرج القتلة والخونة... وأصحاب الملايين، عادة.
هذه الأصناف موجودة دائما، وفي كل زمان. لكن الأزمنة الصعبة، أزمنة الانهيار والدمار، تقلّص القسم الثاني وتدفع أعدادا منه لتلتحق بالقسم الثالث، قسم العراة الذين لا مقياس لهم إلاّ أنفسهم. وحينها يبدو العالم كما لو أنه ينهار، والأخلاق كما لو أنها تتفتت.
وهذا الزمن هو الزمن الذي يصير فيه: (الناس شجرة بغي)، حسب قول ينسب لأكثر من واحد، أو يصبحون (ذبّان طمع وفراش نار)، حسب أبي حمزة الشاري.
أما في أزمنة الثورات، أزمنة الأمل، فمن المفترض أن يحصل العكس تماما. يزداد عدد القسم الثاني، قسم من يحاولون ستر أنفسهم بثياب الحق والعدل والأخلاق، ويتقدم الصنف الأول الصفوف ليسقط منه الشهداء، في حين يرغم القسم الثالث، قسم الذين لا مقياس لهم إلا أنفسهم، على نفاق القديسين والشهداء، وعلى التغني بهم وبأسمائهم. والنفاق هو (تحية الرذيلة للفضيلة) كما قال من لا أذكر اسمه الآن.
ونحن الآن في زمن الأمل عموما، حيث ينبت من داخل الإنسان غصن جديد أخضر، فيتحول من شجرة بغي إلى شجرة عدل، ومن ذبّان طمع إلى طير محبة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء