عندما يرهن العربي عقله وقلبه في بنوك دول خارجية... بقلم د.حسن عبد الله

05.12.2011 12:51 PM
الانتفاضات العربية كشفت هشاشة دول وعرّت أوضاعاً داخلية بعد ان ازالت كل اوراق التين عنها ،هذه الانتفاضات التي بدأت سلمية ديمقراطية فابهرتنا وحظيت بتعاطفنا وتأيدنا، لكنها جعلتنا نضع ايدينا على قلوبنا خوفا وريبة عندما تحولت الى عنف وعنف مضاد ، ليغطي أزيز الرصاص الشعارات والمطالب الديمقراطية ، ولتدخل على الخط قوى خرجت من دهاليز تيهها واعلنت بقوة السلاح انها موجودة.

الانتفاضات العربية ما كانت لتكون لولا القهر والقمع الذي عاناه المواطن ، وهذا بات بديهياً ومعروفاً. وفي المقابل ما كان لها ان تنجح لولا التشجيع الذي لاقته من دول خارجية تسعى الى اعادة تفصيل الخريطة العربية الاقتصادية والسياسية والثقافية على مقاس مرحلة جديدة . بيد انه مع تسارع التطورات والتفاعلات على الساحة العربية قد تذهب الامور ابعد بكثير مما توقعت الدول الغربية التي تعتبر نفسها ملمه بكل ما يجري في العالم العربي ، عن طريق اتباعها واجهزتها الاستخبارية ومراكزها البحثية المتخصصة.

أما أغرب ما في هذه الانتفاضات والتغيرات التي تسود العالم العربي،هوحضور الخارج على حساب الجامعة العربية ، او حضور الخارج من خلال بوابة الجامعة العربية كما حدث في ليبيا. وحضور الخارج في صورة عكسية حينما اوصدت روسيا والصين الباب أمام تدخل عسكري ضد سوريا على غرار ما حدث في ليبيا. كما برز تدخل الخارج من خلال فرض عقوبات اقتصادية على سوريا ، حيث تشكل تركيا رأس الحربة على هذا الصعيد، بعد ان شهدت العلاقات السورية التركية أفضل حالاتها في السنوات القليلة الماضية. الى جانب الحضور المكثف وفي اتجاه معاكس لايران في اسناد سوريا كدولة حليفة ، او ربما كنوع من رد الجميل لسورية التي كانت شريان إيران على العالم طيلة حربها مع العراق . او لأن هاتين الدولتين تجدا نفسيهما الآن في القارب ذاته، وغرق نظام منهما يعني اضعاف الآخر ومحاصرته .

وعلى كل الاحوال السيناريو السوري يبدو حتى اللحظة مختلفاً ونظام الحكم مرشح لمزيد من الصمود ، بسبب تماسك الجيش، بينما النظام ما زال يحظى بتأييد جماهيري، وان القناة الاقتصادية الايرانية المفتوحة ستعوضه نسبيًا عن عقوبات الدول المحيطة. اضافة الى الغطاء الروسي الصيني في المؤسسات الدولية.

وامام التدهور المستمر في الاوضاع والتحديات الكبيرة والخطيرة التي تنتصب امام المجتمعات العربية بعد نجاح الانتفاضات في تغيير هذا النظام او ذاك . فان حجم الازمات التي يعاني منها العالم العربي ، جعلته يفقد توازنه ويكفر بقواه الذاتية وقدراته على التغيير بادواته وامكاناته، متطلعا الى مساعدة الاخرين . وكأن الدول العربية لا تتمتع باستقلال سياسي واقتصادي ، او كأن هذه الدول تتبلور حديثًا او انها تبدأ من الصفر. فهناك من هو مشدود الى النموذج التركي ويتمناه ويفتح الابواب لعبور الاتراك من منطلقات سنية او انبهارًا بما تحقق اقتصاديًا في تركيا، متناسيا ان هذا النموذج يدخل في صميم العصب الاقتصادي والسياسي والعسكري الغربي. وان الغرب لا يجد نفسه اطلاقًا في تناقض مع تركيا الشريك ، سواء كان على رأسها الاحزاب العلمانية او الاحزاب والتيارات الاسلامية.

كما ان استقواء اتجاهات معارضة في دول عربية بقوى غربية ، لكي تجر جيوشها وطيرانها لتأتي وتقصف وتدمر ،وبالتالي تصنع التغيير وتفرضه ، هو بمثابة دعوة مفتوحة على المدى القريب والمتوسط لاحتلال الدول العربية. واذا كانت الطائرة تقصف وتعود الى بلادها ، فانها تمهد بذلك لاحتلال غير مباشر ، اي تبعية اقتصادية مطلقة للغرب، بمعنى أن يعمل العرب في بلادهم وبثرواتهم لكن لصالح الشركات الاحتكارية الغربية.

ما الذي يريده العرب اليوم، هل يريدون تجديد تبعيتهم لامبراطورية عثمانية تنهض من جديد ؟.. أم يريدون استدعاء الديمقراطية الغربية وتطبيقها بأدوات الغرب مرة واحدة ودون مقدمات على واقع بدوي وعشائري ويعاني من علاقات انتاج متخلفة؟.. ام يريدون الانشطار بين الولايات المتحدة وحلفائها، وبين روسيا والصين. علمًا اننا لم نلمس لدى الدولتين الأخيرتين روسيا والصين مطامع استعمارية ضد العرب لا في التاريخ القديم ولا الحديث ، بل ان الاتحاد السوفيتي قبل ان يتفكك ساند دول المواجهة بخاصة سوريا ومصر بالاسلحة والتدريب ،وان الجامعات السوفيتية في تلك الفترة فتحت ابوابها لفقراء العرب كي يتعلموا. لكن هل يمكن لروسيا والصين المتجهتين نحو السوق والانفتاح كل بطريقتها، هل يمكن لهما ان تقدما خدمات مجانية بعيدًا عن أي نوع من النفوذ !..

اسئلة كثيرة نطرحها في ظل تبعثر وتناثر الاوراق العربية وفي ظل بلاد تطحنها الازمات وتنخرها القبلية. بلاد افاقت من سباتها تحلم بديمقراطية غربية ، متجاهلة ان الديمقراطية لا تنسخ نسخًا كربونيًا عن الاخرين، وانما تحتاج الى سياقات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، تبدأ ليس من الحزب السياسي الذي هو نتاج للتركيبة الاجتماعية السياسية السائدة، وإنما من روضة الأطفال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير