الإِصْلاحُ المَفْقودُ: وِزَارَةٌ أَمْ مَزْرَعَةٌ / جهاد حرب

30.11.2011 09:17 AM
"أَهْلاً بِكَ فِي المَزْرَعَةِ" مقولة استخدامها الشباب التونسي قبل اثنتي عشرة سنة من انطلاق ثورة الياسمين للتندر والتهكم على وضع البلاد. فصاحب المزرعة هو الذي يختار أفراد المزرعة وأصنافها "يعينهم"، وهو الذي يسمنهم ويحدد مراتبهم "يرقيهم"، وهو الذي يحيلهم إلى المسلخ للذبح وقتما يشاء.

ففي السنتين الأخيرتين 2010 و2011 جرت عمليات توظيف تشوبها شبهة فساد من خلال استخدام النفوذ، فبعض الوزراء قاموا بتوظيف أقارب لهم من الدرجة الأولى والثانية؛ فوزير يعين ابنته وآخر يعين أخاه وآخر ابن أخاه أو ابنة أخته ووزير يعين أبناء حزبه، وفي إحدى الوزارات تم تعيين أكثر من ثلثي الشواغر لأقارب كبار الموظفين ( زوجة أو زوج أو أخ أو أخت أو ابنة أخ أو أخت ....)، وكأن وزاراتهم هي مزارع ملك خاص للوزراء وكبار الموظفين فيها يتحكمون فيمن يدخلها ومن يرقى ومن يخرج منها.

للحقيقة، شهدت آليات التوظيف في القطاع العام تطورا هاما خلال السنوات الماضية، خاصة الأربع الأخيرة، كحصر عدد الشواغر الوظيفية، والإعلان عنها في الصحف المحلية وعلى المواقع الالكترونية للوزارات وديوان الموظفين، وإجراء امتحانات كتابية وشفوية بالإضافة إلى التنسيق مع ديوان الموظفين العام في إجراء المقابلات.

التطورات الايجابية المذكورة أعلاه بقيت شكلية ولم تمنع من استغلال النفوذ من قبل كبار الموظفين وبشكل خاص شؤون الموظفين في عملية التوظيف حيث شهدت آليات التوظيف في السنتين الأخيرتين اشكالا جديدة في استغلال المنصب العام أو بالأحرى متجددة منها:

1) قيام بعض الوزارات بتحديد المواصفات "والمقاييس" المطلوبة للشواغر الوظيفية تكون مناسبة لشخص محدد معني به الوزير أو أحد الموظفين المتنفذين خاصة في الشؤون الإدارية وشؤون الموظفين.

2) تعيين بعضُ الوزراء وكبار الموظفين لأبنائهم أو بناتهم أو أولاد وبنات إخوتهم أو أخواتهم في وزاراتهم في نفس الوزارة بعد اجتياز الإجراءات القانونية صوريا، فهل يمكن لأي لجنة مقابلات أن ترفض ابن أو بنت أو أخ الوزير الذي هو عينها.

3) بعض الوزارات لا يتم الإعلان عن نتائج الامتحانات الكتابية بل يتم إبلاغ بعض الناجحين؛ وبذلك تمنح إدارات الشؤون الإدارية وشؤون الموظفين نفسها الحق باستدعاء من ترغب منهم للمقابلة الشفوية كإجراء شكلي في أغلب أحيان. والأدهى أن بعض من رسبوا في الامتحانات الكتابية عينوا بقرارات استثنائية من قبل الوزير المختص على الرغم من عدم اجتيازهم للامتحان الكتابي.

4) استغلال بعض الوزراء مكانهم لتوظيف أبناء حزبهم في الوظيفة العامة وبذلك اعتبروا وزاراتهم مكانا للتوظيف الحزبي.

5) أما فيما يتعلق بالترقيات، إحدى الوزارات أعلنت الإدارة العامة للشؤون الإدارية عن تنافس داخلي لشواغر في مناصب قيادية دون علم وزيرهم. لكنها وضعت شروط ومقاييس تتلاءم مع عدد محدد من الموظفين لتكن هذه الوظائف شبه القيادية من حظ الأصدقاء "الشلة" في محاولة للسيطرة على مفاصل الوزارة من خلال تشكيل الوظائف العليا لصالحهم.

6) مع تولي الوزير منصبه يعين مديرا لمكتبه سواء كان هذا موظفا من داخل الوزارة أو من خارجها أو يتم تعيينه لهذه الوظيفة مع الوزير، وبما أن الدرجة الوظيفية لهذا الموقع تبدأ بمدير إلى مدير عام (A4) فغالبا ما يعين مديرا عاما على ملاك الوزارة وهي مدخل لوصول المقربين للوزراء للمواقع القيادية دون التدرج في السلم الوظيفي حسب قانون الخدمة المدنية.

تشير هذه الممارسات في بعض الوزارات إلى تدمير ليس فقط لعملية الإصلاح الإداري التي قامت بها السلطة الوطنية الفلسطينية منذ العام 2002 بل تدمير للمعايير وقواعد السلوك الأخلاقية في الوظيفة العامة. ناهيك عن كون استغلال النفوذ جريمة فساد يعاقب عليها القانون.

لذا ينبغي وضع آليات وإجراءات تحد من استغلال النفوذ في عملية التوظيف في القطاع العام. وتعميم قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة التي تبناها مجلس الوزراء بتاريخ 30/3/2009 بموجب القرار رقم (2/101/12).

وهنا دعوة لأجهزة الرقابية ممثلة بديوان الموظفين العام وديوان الرقابة المالية والإدارية وهيئة مكافحة الفساد لمراجعة عمليات التوظيف في السنتين الأخيرتين للتحقق من أن الوزراء وكبار الموظفين في الوزارات لم يقوموا باستغلال مناصبهم في عمليات التعيين التي جرت في العامين 2010 و2011 وذلك من خلال فحص آلية التعيين وصلة القرابة أو الانتماء الحزبي ما بين الوزراء وكبار الموظفين في كل وزارة مع الموظفين الجدد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير