المرأة الفلسطينية في مواجهة العنف ناريمان عواد

29.11.2011 12:28 PM
تصادف هذه الأيام انطلاق الحملة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة هذه الحملة التي أقرتها الأمم المتحدة في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام وتنتهي في العاشر من كانون الأول ، وتهدف الحملة إلى تسليط الأضواء على مظاهر العنف الواقعة على النساء حول العالم ، في الفترة الواقعة بين اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة واليوم الدولي لحقوق الإنسان في ربط وثيق ما بين حقوق المرأة والعمل على مساواتها وحفظ كرامتها وبين منظومة حقوق الإنسان . وتهدف الحملة العالمية إلى تشجيع وتعزيز الجهود المبذولة من قبل المؤسسات الرسمية والأهلية في مجال رفع الوعي بظاهرة العنف وآثارها وبناء سياسات وتشريعات تعمل على حماية النساء واحترام حقهن في الحياة والأمن والسلامة البدنية.
وفي فلسطين ،وكما في كل عام تأتي هذه الحملة وانتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني متواصلة، من ارتفاع في وتيرة الاستيطان إلى تهجير إعداد كبيرة من السكان والاستيلاء على أراضيهم -بحجج وذرائع أمنية - إلى استمرا وانتهاك الحريات واعتقال المئات من أبناء الشعب الفلسطيني واستهدافهم بالقتل والتصفية واستهداف النساء على وجه الخصوص
إن الملحمة البطولية التي تسطرها المرأة الفلسطينية في مواجهة شتى أنواع العنف التي تمارسها سلطات الاحتلال هي تجسيد للملحمة البطولية للشعب الفلسطيني بأسره ، لان المرأة الفلسطينية في واقع حالها ورمزية الثورة فيها ، هي نبض الشعب الفلسطيني وتجربته الغنية في تحدي الظلم والطغيان والاستلاب ، وكان وما زال العنف الموجه ضد المرأة هو ألأقوى ، لاعتبارات أن لحمة المجتمع والأسرة تتجسد في قوة المرأة والحفاظ على كرامتها وكبرياءها ، فالمرأة هي الحاضنة المعنوية والفكرية لقيم المجتمع ومثله العليا.
ولا شك أن المرأة الفلسطينية التي عايشت تجربة طويلة من الاحتلال المتواصل والاستيطان، تعرضت لاستهداف متعمد من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمثلت بالقتل المتعمد، الأسر، الإبعاد والتهجير والتشريد.
هذه التجارب القاسية هي التي رسمت ملامح التجربة النضالية للمرأة الفلسطينية التي جعلتها في خندق المواجهة الدائمة مع الاحتلال.
فالعنف الذي تشهده فلسطين بسبب الاحتلال المتواصل للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من 63 عاما هو العنف المسئول بشكل أساسي عن كافة مظاهر العنف الأخرى لتداعياته الخطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي واستهدافه لشرائح المجتمع برجاله ، نساءه ، شيوخه وأطفاله.

وفي هذا العام تستمر ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في استهداف النساء فرغم الفرحة الكبيرة التي رافقت إطلاق سراح الأسيرات الفلسطينيات في شهر أكتوبر الماضي حيث شهدنا فرحة خروج 27 أسيرة من ضمن صفقة تشمل 1027 أسير إلا أن عشرة فلسطينيات بقين في داخل سجون الأسر والعزل ،في ظروف إنسانية صعبة وفي ظل استمرار شتى أنواع العنف الممارسة بحقهم فيما تستمر في ملاحقة الأسيرات المحررات مثل استدعاء الأسيرة المحررة قاهرة السعدي من جنين والأسيرة المحررة حنان الحموز في بيت لحم للتحقيق.
وإذا تلمسنا تجربة الأسيرات المحررات اكتشفنا بشكل تفصيلي حجم العنف الموجه الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسيرات الفلسطينيات ، نعيش لحظات الألم التي عاشتها وتعيشها أسيراتنا الفلسطينيات من تقييد وتعذيب وتحقيق لا إنساني وتقييد إثناء الولادة وحرمان من النوم وحرمان من كافة الحقوق ، في انتهاك خطير لكافة الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية ، ولعل صرخة الأسيرة المحررة أمل جمعة خير مثال على ما تقوم به سلطات الاحتلال للأسيرات الفلسطينيات في حرمانهم من الرعاية الصحية وممارسة التعذيب والعنف ضدهم .
كما يستمر استهداف النساء وتهجيرهن في أماكن متعددة في الأراضي الفلسطينية في الحملات المسعورة للاستيلاء على البيوت والأراضي في القدس وسائر الأراضي الفلسطينية واستمرار العدوان على قطاع غزة.
فواقع المرأة الفلسطينية المهجرة في أماكن الشتات ، المرأة المقدسية ، المرأة الغزية، المرأة الأسيرة ، المرأة على حواجز القهر والإذلال واقع مرير من العنف المتواصل .
إن العنف الموجه من قبل قوات الاحتلال يتطلب المطالبة فورا بتامين الحماية للمرأة الفلسطينية رغم المناشدات الكثيرة والمتعددة بهذا الخصوص إلا أنها تؤكد عجز الهيئات الدولية عن تحقيق هذا الهدف بسبب ازدواجية المعايير التي تمارسها هذه الهيئات في التعامل مع القضية الفلسطينية .

إن العنف الذي تمارسه سلطات الاحتلال لا يغفل جانبا آخر من العنف الذي نوليه أهمية كبيرة وهو العنف المجتمعي ، فالعنف المجتمعي يعتبر ظاهرة في اغلب المجتمعات من أكثرها تقليدية ومحافظة إلى أكثرها علمانية وتطورا ولأننا نؤمن بقيمة المرأة الإنسانية والفكرية ولأننا نؤمن أن المرأة حارسة نارنا الدائمة كما ورد في وثيقة الاستقلال ،في إشارة تأكيد إلى ما تمثله المرأة من شعلة متقدة على طريق التحرير والبناء ،فإننا نقف بشدة أمام أي مظهر من مظاهر العنف المجتمعي ونهيب بكافة المؤسسات المؤسسات الرسمية والأهلية أن تقوم على اجتثاث هذه الظاهرة ، فالحراك المهم المشهود له على صعيد جهود السلطة الوطنية الفلسطينية حراك هام من الرئيس إلى رئاسة الوزراء إلى كافة الوزارات الحكومية المختصة بالإضافة إلى جهود المؤسسات الأهلية . في مؤشر إلى ما توليه السلطة الوطنية من أهمية في هذا الجانب بدءا من تبني الرئيس محمود عباس لاتفاقية سيداو في العام 2008 إلى إلغاء العذر المحلل في فانون العقوبات كذلك المصادقة على الإستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي تهدف إلى تعزيز آليات الحماية والتمكين للنساء اللواتي يتعرضن لانتهاكات الاحتلال وتعزيز الإطار القانوني والمؤسسي لحماية النساء وتجسيد الحماية الاجتماعية للمعنفات استنادا إلى حقوق المرأة كما كفلتها القوانين المحلية والمواثيق الدولية .
إن التوجه الرئيس للمؤسسات الرسمية والأهلية والمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان هو الوقاية أساسا من هذه الظاهرة وماسسة العمل بما يتكامل فيه الإطار القانوني وتحديد الأدوار والصلاحيات للمؤسسات العاملة في هذا المجال .
وفي هذه اللحظات التي نستشعر خطر الإطاحة بالمشروع الوطني الفلسطيني والتي تنبهت فيه القيادة إلى ضرورة إتمام المصالحة الوطنية وحراكه نحو انتزاع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ، نؤكد أهمية هذا الحراك والنجاح في هذا المسعى من اجل المطالبة بحقوق النساء اللواتي تعرضن للقتل والتعذيب على أيدي سلطات الاحتلال ، فحراكنا الدولي خطوة هامة نحو تحقيق السيادة وتحقيق العدالة للضحايا ، كما أن الحراك نحو الدولة يؤكد أهمية الالتفات إلى الدور الكبير الذي يجب أن تضطلع به المرأة في مسيرة بناء الدولة وتوحيد الصف الفلسطيني وجهودها الكبيرة في تحقيق السلام والأمن الدوليين .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير