مثل قدماء الكرملين - بقلم: سيفر بلوتسكر/ يديعوت

21.11.2011 10:13 AM
كأن شيئا لم يحدث، وكأن الاتحاد السوفيتي لم يتفكك وكأن الشيوعية لم تنته، فرؤساء الكرملين ما يزالون يؤيدون نظام حكم الاسد في سوريا. وهم بعماهم يديرون سياسة شرق اوسطية سوفييتية تقليدية، ويقامرون على أفراس ميتة ويضعفون التأثير الروسي في المنطقة. فبشار الاسد سيسقط، والنظام الجديد الذي سينشأ في سوريا سيتذكر للقيادة الروسية خيانتها.

يُقترح احيانا تفسير اقتصادي لسلوك روسيا الذي لا عماد له في الشرق الاوسط. بيد أنه لم يعد لروسيا مصالح اقتصادية ذات شأن في المنطقة. فهي لا تشتري من العرب نفطا أو غازا، وقد دُفعت صناعتها الحربية منذ زمن الى زاوية في أكثر الدول العربية والمسلمة. وكان تأييد العناصر الثورية في مصر وليبيا وسوريا وايران قد يضمن للروس موالاة نظم حكم جديدة وعقودا اقتصادية ثمينة في المستقبل.

اذا لم يكن الاقتصاد أفربما الخوف من انتشار الاسلام المتطرف داخل روسيا نفسها هو الذي يفسر سياستها؟ أربما تؤيد روسيا نظم حكم ما في الشرق الاوسط كي لا تؤيد النهضة الاسلامية داخلها وحول حدودها؟ في هذا شك كبير. فنظرية "التأييد مقابل عدم التأييد" لا تصمد لامتحان الواقع، لانه ليس فيها أي تفسير منطقي للحماية التي بذلها الكرملين أخيرا للقذافي والاسد. فلم يكن لكليهما وسائل تأثير على نحو من الأنحاء في الاسلام الروسي.

أنا أرى ان التفسير ليس من مجال علم السياسة بل من مجال علم النفس السياسي. فرجال القيادة السياسية الروسية غير قادرين على التحرر من طرز تفكير الحرب الباردة. وهم سجناء ماض أكل الدهر عليه وشرب، يعملون كما يعملون لا عن عقائدية بل عن قوة العادة. فعن قوة عادة غير عقلانية يؤيدون الاسد وأيدوا القذافي وسيؤيدون متطرفي ايران حتى حينما يضر هذا التأييد بمصالح روسيا الاستراتيجية.

ان العادة هي باعث عظيم القوة على قرارات سياسية قومية ودولية، لا في سياسة روسيا الخارجية الحالية فقط. ففي 1970 أدرك صاغة السياسة الامريكية أنه ليس للولايات المتحدة ما تبحث عنه في فيتنام؛ ومع كل ذلك حاربت هناك سنين طويلة بعد، عن قوة العادة. وعن قوة العادة تعارض المانيا اليوم زيادة المساعدة لدول اوروبا الغارقة في الديون برغم أن هذه المساعدة ستخدم مصالح المانيا الاقتصادية نفسها. وبسبب العادة الطويلة العمر وهي تعيين شخصية فرنسية لرئاسة صندوق النقد الدولي رفض مجلس ادارة الصندوق ترشح البروفيسور ستانلي فيشر؛ وأصبح واضحا اليوم ان هذا كان خطأ مصيريا من جميع النواحي.

ليس جميع الساسة ومتخذي القرارات أسرى عاداتهم. فقد كسر اريك شارون إذ كان رئيس الحكومة عادته الشهيرة بناء مستوطنات أكثر فأكثر وتوسيع حدود البلاد، وانسحب من طرف واحد من قطاع غزة. وتحرر وزير المالية الدكتور يوفال شتاينيتس من العادة الراتبة التي هي تقديم ميزانية لسنة واحدة واستبدل بها ميزانية لسنتين. ويفكر رئيس الولايات المتحدة براك اوباما ويعمل خارج صندوق عادات السياسة الامريكية الخارجية والامنية ويسجل فيها انجازات ذات شأن.

قبل نحو من سنة ونصف راهنت عدة اشخاص على ان نتنياهو سيتوصل حتى نهاية 2011 الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية. وقد آمنت ان نتنياهو، وهو رجل خلاق وذو تفكير أصيل، سينجح في التحرر من قيود عاداته ومن عبوديته لتصورات الماضي. فرئيس الحكومة هذا يعلم كما اعتقدت، أن المصلحة الاسرائيلية العليا هي التوصل سريعا الى اتفاق سياسي شامل مع القيادة الفلسطينية الأشد ولاءا للغرب والأشد اعتدالا مما كان قط.

بيد أن خطاب العادات تغلب عند بيبي ايضا على خطاب المصالح. فقد نظر الى أبو مازن الدبلوماسي نظره الى عرفات الثوري، والى سلام فياض الاقتصادي مثل البرغوثي الأزعر، برغم ان الفروق بينهم عميقة كالبحر. من المحزن لنتنياهو أنه استسلم لعاداته كما يستسلم ساسة الكرملين الجامدون عند الماضي لعاداتهم. فخسرت الرهان على تغير جوهري عنده، على زجاجة ويسكي وشيء آخر أكثر أهمية بكثير.
تصميم وتطوير