شبح الحرب مستبعد.. بقلم: فهمي هويدي

16.11.2011 01:49 PM
ليست جديدة الأخبار التى تحدثت عن التحضير فى إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، فقد ظهرت تلك التسريبات منذ نحو شهر تقريبا، حين تمت عملية مبادلة الأسرى الفلسطينيين بالجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط، حيث قيل وقتذاك إن نتنياهو وافق على الصفقة لأنه أراد «تنظيف الطاولة». والتفرغ لمواجهة إيران، بعدما ترددت أنباء عن أنها قطعت أشواطا باتجاه استخدام الطاقة النووية للأغراض العسكرية. وهو ما تتحسب له إسرائيل كثيرا، وتعتبر أن هذه المرحلة تمثل خطا أحمر لا تريد لإيران أن تبلغه أو تتخطاه، لأن ذلك ينهى احتكارها للاستقواء الذى تفرضه على منطقة الشرق الأوسط. ومن الواضح أن مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعد تقريرا أيّد فيه الادعاءات الإسرائيلية بصورة أو أخرى. وسواء كان الأمر مرتبا أم لا، فالشاهد أن إسرائيل استخدمت معلومات ذلك التقرير لتشدد من حملتها وتعبئ الرأى العام الغربى باتجاه ضرورة إيقاف إيران «عند حدها»!

بالتزامن مع ذلك استمر التسخين ضد إيران الذى استهدف إقناع الجميع وفى المقدمة منهم الدول العربية بأنها وليست إسرائيل الخطر الحقيقى فى المنطقة. وكانت فرقعة التآمر لاغتيال السفير السعودى فى واشنطن، التى اتهم فيها أحد الإيرانيين جزءا من عملية التسخين، التى استخدم فيها التعاطف الإيرانى مع شيعة البحرين. وفى السياق نفسه جرى التخويف من الدور الإيرانى فى العراق ولبنان، والتدليل على سوء نوايا الإيرانيين بتأييد طهران للنظام القمعى الحاكم فى سوريا. وفى حين أبرزت هذه العناوين التى جذبت الانتباه، بأن أحدا لم ينتبه إلى مسلسل الجرائم الإسرائيلية فى الأرض المحتلة، التى تراوحت بين مواصلة قتل الناشطين الفلسطينيين والاستمرار فى توسيع المستوطنات ببناء آلاف المساكن الجديدة مرورا بالطرد التدريجى للعرب من القدس لإتمام عملية تهويدها.

الشك فى قيام إسرائيل بعمل عسكرى ضد إيران يستند إلى العوامل التالية:

ــ إن «اللوبى» الإسرائيلى فى الولايات المتحدة ملتزم الصمت إزاء تلك الحملة، وكأنه لا يأخذ التصريحات أو التسريبات على محمل الجد. وهو الذى اعتاد فى مثل هذه الحالات أن يقود عملية التعبئة والتحريض لصالح المخططات الإسرائيلية.

ــ إن إسرائيل لا تستطيع أن تقوم بعمل عسكرى من ذلك القبيل إلا بالتفاهم مع الولايات المتحدة إن لم يكن بالتعاون معها، وإذا أرادت أن تنفرد بالقرار فإنها لا تستطيع أن تقدم عليه قبل أن يتم الانسحاب الأمريكى من العراق وفى وجود قوات أمريكية فى أفغانستان، لأن الجنود الأمريكيين الموجودين فى البلدين يعتبرون «رهائن» فى أيدى الإيرانيين كما يقول البعض فى طهران، ويمكن أن يكونوا هدفا لعمل عسكرى يهدد حياتهم.

ــ إن إسرائيل لا تستطيع أن تقدم على هذه المغامرة قبل أن تطمئن إلى سقوط نظام الرئيس الأسد فى سوريا، لأن استمرار ذلك النظام من شأنه أن يعرّض إسرائيل للخطر فى حالة ضرب إيران، فى حين أن سقوطه يطمئن ظهر إسرائيل ويضعف الموقف الإيرانى المتحالف مع نظام دمشق، كما يغل يد حزب الله الذى لن يسكت إذا ما تعرضت إيران للعدوان.

ــ إن إسرائيل قد تستطيع أن تقوم بعمل عسكرى خاطف يدمر المنشآت النووية الإيرانية، لكن احتمالات الرد الإيرانى لابد أن تكون واردة. وأيا كان ذلك الرد فإنه يمكن أن يكون موجعا لإسرائيل ويفوق طاقتها عن الاحتمال.

ــ إن القواعد الأمريكية فى منطقة الخليج يمكن أن تكون بين أهداف الرد الإيرانى. وهذا الاحتمال إذا تحقق فإنه يمكن أن يشعل حريقا كبيرا فى المنطقة، يعرض الخليج لزلزال عالى الدرجة.

ــ إن الرئيس الأمريكى الذى يتهيأ الآن لخوض انتخابات ولايته الثانية لن يكون مستعدا لأن يدخل فى مغامرة جديدة، فى حين أنه لم يتخلص بعد من تداعيات تدخل واشنطن فى العراق وأفغانستان.

ما يثير الانتباه والدهشة فى هذا السياق أن العالم العربى يبدو تائها فى العملية. وبعضه يبدو ــ فى خطابه الإعلامى على الأقل ــ متضامنا مع حملة التخويف من الخطر الإيرانى. والبعض الآخر إما يقف متفرجا على ما يجرى، أو يبدو منكفئا على ذاته ومستغرقا فى همومه الداخلية ظنا منه أنه بمنأى عن التأثر بتداعيات الحملة العسكرية، وذلك وهم كبير ليس فقط لأن الحريق إذا شب فلن تكون بقية دول المنطقة بمعزل عن شراراته وأصدائه. ولكن أيضا لأن احتكار إسرائيل للقوة العسكرية فى المنطقة يمثل تهديدا مستمرا للأمن القومى العربى.

عن صحيفة "الشروق" المصرية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير