دولة جنوب السودان... بقلم: جوش كرون

10.07.2011 06:15 PM

في سوق كونيو – كونيو في جوبا، العاصمة الصغيرة المزدهرة لجنوب السودان، مهاجرون من اوغندا يتحدثون عن الحياة في البلاد الجديدة. "نحن كثيرون"، قال صالح عباس من كامبالا، عاصمة اوغندا. "كل شيء هنا جاء من اوغندا. فما الذي يمكن الحصول عليه من السودان؟ لا شيء" – ولكنه اضاف: "جيد هنا".ولكن ليس الحال سيئا للجميع. الاقتصاد العذري لجنوي السودان وانعدام قدرتها على استغلال أرضها وأسواقها أتاحت للكثيرين – بدءا بالامريكيين وانتهاءا بالصينيين، بالاتراك وبالاساس بالافارقة الاخرين – السيطرة على المنطقة.فضلا عن ذلك، توجد مشاكل في جيش جنوب السودان نفسه. حجمه يثقل على ادارته، وانتشاره واسع جدا. مجموعات منشقة هاجمة المدن، القرى ووحدات الجيش اتهمت هي ايضا في تقارير الامم المتحدة باطلاق النار بلا تمييز بين القرى، حتى حين فرت هذه نحو نهر النيل. وأفادت الامم المتحدة بانه منذ الاستفتاء في كانون الثاني قتل نحو 2.000 مواطن في معارك داخلية في جنوب السودان. هذا العدد لا يتضمن الجنود، الذين يموتون بسرعة وفي احيان قريبة.حكومة جنوب السودان امتنعت عن المواجهات مع الشمال في الفترة العاصفة الاخيرة، ولكن الكثيرين يخشون من أن تتغير الامور بعد 9 تموز. "يوجد الكثير جدا من التقارير في الشمال عن اعدامات جماعية واعتداءات على المواطنين بسبب اصولهم العرقية، ولا سيما من مواليد جبال النوبة بما في ذلك من نساء وأطفال"، كتب اريك ريبس، محاضر وخبير أمريكي في شؤون السودان، "اصداء رواندا تصدح عاليا اكثر من أي وقت مضى".ولا تزال كثيرة مصادر القلق. ترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوب السودان بقي مشكلة غير محلولة. في المنطقة موضع الخلاف ايبيه، التي كان فيها اشتعال للعنف بين الدولتين، رابط نحو 5 الاف جندي اثيوبي من قوة فرض السلام من الامم المتحدة، حاولوا تبديد التوتر. في هذه الاثناء يتعاظم التوتر في شمال السودان، في منطقة النوبة الجبلية. مقاتلو العصابات الذين أيدوا الجنوب في عهد الحرب الاهلية، ثاروا ضد حكومة الشمال وهم يتعرضون اليوم للقصف من الجو.في ذات السنة وقع اتفاق سلام مع الشمال، يقول احد بنوده باجراء استفتاء شعبي على استقلال الجنوب في 2011. في 9 كانون الثاني من هذا العام أيد 99 في المائة من المقترعين في جنوب السودان الاستقلال. وهو يعلن رسميا الان.وبينما قاتل غرانك من أجل تغيير النظام في العاصمة الخرطوم، أراد آخرون القطيعة التامة عن الشمال. جيش التحرير انشق الى عدة حركات، وعاد واتحد فقط مع حلول القرن الواحد والعشرين. في 2005 تحطمت مروحية كان يستقلها غرانك. قتل الزعيم وموته أخرج الريح من أشرعة الثوار في جنوب السودان.قبل تحرير السودان من عبء الاستعمار، قاتل الجنوب كي ينفصل عن الشمال. حربان أهليتان، لعشر سنوات لكل منهما. الاخيرة بينهما قادها جيش التحرير، بهدف تغيير النظام في السودان وليس للانفصال عن الشمال. وكان الجيش يخضع لقيادة جون غرانك، زعيم شاب، مصمم وكاريزماتي كان رمزا في نظر السودانيين في الجنوب وزعيما سياسيا مؤثرا في أرجاء الدولة بأسرها.هذه هي صورة بلاد كابوسها أصبح حلما سيتحقق قريبا. الامن يعتبر فيها فوق كل شيء. وجنون الاضطهاد يتسلل الى الجميع.في الاسبوع الاخير، كانت العاصمة جوبا مغلقة ومنغلقة. حواجز نصبت في ساعات الليل. مدربون دفعوا بالعصي ابناء الثمانية ممن انشغلوا بالتدريبات على مسيرة يوم الاستقلال. "هم اكراهيون في موضوع الانضباط"، قالت د. كارول بيرغر، خبيرة في الشؤون السودانية، "طواعية يغرس فيهم كبرياء معين".حكومة جنوب السودان تبذل قصارى جهدها للاستعداد للاحتفالات المقتربة – والتي ستكون كابوسا لوجستيا واداريا لحكومة تعاني من خلل في قدراتها.في تقرير وكالة الانباء "ايي.بي" جاء مؤخرا بان الولايات المتحدة توفر مساعدة مالية وفنية لجيش تحرير جنوب السودان (SPLA)، الجيش الوطني للدولة الجديدة. جيش التحرير، الذي قبل ست سنوات فقط كان حركة ثوار، اتهم بخروقات فظة لحقوق الانسان، انتقادا وجه للامم المتحدة لفشلها في تفكيك هذه الهيئة الكبيرة، التي كانت تضم نحو 140 الف جندي. ولكن من يدري."هذا سوق. مجتمع مدني"، قالت نيهي ارزموس من منظمة Africa Justice . فقد أقامت فريقا لموضوع السودان في الاتحاد الافريقي. "هذه ستكون موجة هائلة. لا توجد مياه دافقة ولكن يوجد سوشي"، قالت ارزموس واضافت: "من الصعب قياس النجاح".هذا مثير للاهتمام. الاسرة الدولية التي تجاهلت الحرب في السودان لفترة طويلة تغرق الدولة الوليدة بالسيارات، بالرواتب السخية وبجملة كبيرة من خطط التنمية. وأطلقت الامم المتحدة مؤخرا مبادرة واسعة النطاق، وملأت الوزارات الحكومية والهيئات الاخرى بالعديد من الخبراء.حسب البحث، فليس فقط ملايين المواطنين لا يعرفون القراءة والكتابة. ينضم اليهم نحو 60 في المائة من موظفي الحكومة المحلية، ممن كبر الكثيرون منهم في ظل القتال. "موضوع التأهيل حيوي"، قال العقيد اينوكا، مقاتل سابق في جيش التحرير الشعبي السوداني، المسؤول اليوم عن تأهيل الشرطة. "نحن نقف أمام عدة عوائق. أكبرها هو عدم معرفة القراءة والكتابة".بعد الحصول على الاستقلال ستكون جنوب السودان الدولة الاكثر حبا في العالم، العزيزة التالية لمنظمات المساعدة. بحث استدعته مؤخرا الادارة الامريكية أوضح بان "في عهدنا، لا يوجد ترميم بعد نزاع أكثر تحديا مما في جنوب السودان".في يامبيو، قرية في غربي الدولة، غير بعيد عن حدود الجمهور الديمقراطية للكونغو، المدرسة قفراء. الطاولات والكراسي شاغرة، ولكن قريبا سيمتلىء المكان. مع الغروب بعد أن يعود الاولاد الى منازلهم، يأتي الكبار. نخبة يامبيو. سياسيون، ضباط، رجال ادارة وشرطة يأتون ليتعلموا الجغرافيا، الرياضيات، القراءة والكتابة.ولكن في 9 تموز ستقف جنوب السودان في المكان الذي عملت فيه الطبيعة وحدها فقط. السودان هي بلاد المساحات الهائلة، التي قليل منها فقط، اذا ما عبرنا عن الامر بسخاء، شهدت تنمية من فعل البشر. عدد الطرق، على مساحة نحو 650 الف كيلومتر مربع، أقل من أي مكان آخر على وجه الكرة الارضية.تعلن جنوب السودان عن استقلالها عن الشمال، العربي في معظمه، والذي قاتلت ضده على مدى أجيال. الولادة النادرة للامة التي ستكون الدولة الاحدث في العالم. بالنسبة للملايين الذين قتلوا في الحرب الاهلية، والملايين الذين نجوا منها كيفما اتفق، هذه هي اللحظة الاكبر.هذا هو الحلف القديم – الجديد. بلاد في بدايتها. مساحات متربة بشمس ساطعة. بلاد ملونة بأطياف اللون الاخضر الغامق يتناثر فيها ثمانية ملايين نسمة، بلاد أسيرة منذ أجيال في قرع طبول الحرب، بلاد ستحظى قريبا باستقلالها.بقلم: جوش كرونبلاد جديدة- هآرتس

تصميم وتطوير