شرق أوسط بطبعة ثالثة!!... بقلم: خيري منصور

07.11.2011 12:17 PM
اذا كان مفهوم الشرق الاوسط الكبير كما حلم به شمعون بيريز ورسم له تضاريس جديدة تحذف اقطارا عربية في الشمال الافريقي لصالح اضافة اسرائيل قد انتهى الى دستوبيا مضادة ليوتوبيا بيزيز او مدنيته الفاضلة فان الشرق الاوسط الجديد الذي طالما بشرت به كوندليزا رايس يبدو الان كما لو انه تحت المطرقة، لكن ليس وفقا لمقاييس رايس، فالواقع العربي عندما تعصف به اعاصير التغيير لن يكون رهينة لهذا الحالم او ذاك سواء من الغزاة الذين سال لعابهم على ترابه ومائه وهوائه وما في باطن ارضها ومن السماسرة الذين يبحثون عن موسم من الفوضى يتيح لهم ان يلعبوا دور الوكلاء لهذا الطرف او ذاك، وما قيل خلال الاسبوع الماضي مرتين كل الاقل عن شرق اوسط من طراز ثالث، ليس كبيرا او صغيرا او حتى متوسطا، يوحي بان هناك متغيرات قادمة لا يحزرها الا من كانوا ضليعين في فقه التاريخ والجغرافيا معا، وما جاء على لسان بشار الاسد حول شرق اوسط مليء بالحرائق وتحجب فضاءه سحب الدخان، يعني ان هناك حربا وشيكة الاندلاع، لكن الرئيس السوري لم يذهب الى ما هو ابعد من هذا التعبير العام، بحيث لا ندري من سيحارب من؟ ومن سوف يتحالف مع من؟ واخيرا من سوف يقلب ظهر المجن لمن، ويخذله..

وما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية هو ايضا يصب في اتجاه شرق اوسط عاصف وملتهب، لكن لكل من يقول ذلك تصوره الخاص، ما دام لكل قيس عربي الان ليلاه التي يبكيها ويغني لها او عليها.

ما حدث حتى الان وهو ليس قليلا او عابرا لا يلبي ما حلم به بيريز في كتاب الشهير، ولم يحقق لكوندليزا ما سعت اليه في الحقبة البوشية بدءا من عملها مع الاب على تفكيك الاتحاد السوفيتي حتى عملها مع الابن على تفكيك العراق، ومن ثم تقديمه كنموذج صالح للتكرار وما تسرب قبل ايام قليلة عبر الميديا الاسرائيلية من توقعات لحرب تشنها اسرائيل ضد طهران بهدف الاجهاض النووي يتزامن مع توتر العلاقات مع واشنطن بسبب ما قيل عن تدبير اغتيال للسفير السعودي في واشنطن.

هذه القرائن تغري بتوقع حرب، خصوصا وان هناك هدفا اخر وان كان غير مباشر هو تصعيد الضغوط على دمشق وفك الارتباط بينها وبين حليفها الايراني.

واكثر ما يغري المراقبين بهذا التوقع هو القياس على ما جرى في امكنة اخرى وبالتحديد في ليبيا، لكن الجراحة العسكرية لدمشق بهدف استئصال النظام ليست قرارا سهلا على الولايات المتحدة ولم يطرح حتى الان على سطح الطاولة رغم كونه متداولا كخيار مفتوح وراء الكواليس، ونحن نعرف ان هناك نمطا من الحروف لا تقع بالفعل، لكنها تؤدي الى نتائج وغنائم كما لو انها وقعت وهذا ما عبر عنه بدقة عالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار: عندما قال ان الحرب على العراق لم تقع لكن بمقياس اخر، والتهديد احيانا يفضي الى نتائج قد لا تقدمها الحرب ذاتها حتى وان وقعت، لكن الافراط في التهديدات المتبادلة في هذه المنطقة اضعف القابلية للتصديق، والارجح ان هناك في الافق شرقا اوسط مغايرا لما رسم تضاريسه بيريز وما بشرت به رايس، انه شرق اوسط يأكل بعضه وقد ينتهي الى ان يأكل نفسه!

عن صحيفة "الدستور" الأردنية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير