امريكا والعلاقة مع "الاخوان"...بقلم: هاشم عبد العزيز
الولايات المتحدة تبدأ علاقة مع جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر، هذا ما قرأه المحللون والمهتمون من إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، الذي أطلقته مؤخراً من العاصمة المجرية بودابست، وأوضحت فيه أن الولايات المتحدة تواصل إجراء اتصالات وصفتها ب “المحدودة” مع جماعات الإخوان المسلمين في مصر، حيث أكدت أنه “مع تغيير الخارطة السياسية في مصر فإنه من مصلحة الولايات المتحدة إجراء حوار مع كل الأطراف التي تبدو مسالمة ولا تلجأ إلى العنف”، لكنها استدركت إعلانها هذا، وقالت إن “الأمر لا يتعلق بسياسة جديدة بل بمبادرة تم اعتمادها قبل خمس أو ست سنوات وواشنطن تستعيدها اليوم” .
في النظرة العامة عرضت وزيرة الخارجية الأمريكية الأمور على أساس أن الولايات المتحدة لا تواكب الأحداث والتطورات في مصر منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك بما مثلته هذه الأحداث من صدمة للإدارة الأمريكية، فحسب، بل إنها تعمل على استيعاب المتغيرات والتعامل معها بما يخدم المصالح الأمريكية، ولكن هل هذا يجيب عن التساؤل عن سبب إعلان إجراء “اتصالات” أمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين بصورة خاصة؟
من المؤكد أن هناك من يرى الإعلان الأمريكي من زاوية المراجعة والتراجع عما كانت عليه السياسة الأمريكية تجاه هذه الجماعة من استهداف لوجودها وليس دورها وحسب، وأن الإعلان يقوم على استيعاب أمريكي أولاً لإمكانات هذه الجماعة التي لم تضعف أمام حملات القمع التي لاحقتها على مدى عقود متعاقبة، وثانياً دور الجماعة الذي كان خلال ثورة يناير فاعلاً نابذاً للحسابات الحزبية والأيديولوجية، وهذا ما قدمه الأمريكيون من شهادات، ما يعني أن إطلاق إعلان “التواصل” أقرب إلى اعتذار أمريكي يضع نهاية لما كان في السابق من مواجهات ويفتح الباب لمرحلة من “التقارب” و”التفاهم” و”التعاون” .
لكن المسألة لا تحمل هذا “التجميل” ولا “التبسيط”، لأن الأمريكيين لا يراجعون ولا يتراجعون، كما أنهم لا يعتذرون، ولو لم يكن الأمر كذلك ما كانت السياسة الأمريكية في المنطقة العربية تعمل على تفاقم الأزمات، مع ذلك فاتصالات الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع الفعاليات السياسية في أغلب البلدان العربية واسعة، وهناك أحزاب اندفعت في هذا الاتجاه وعليه صار دورها السياسي في رهان على الأمريكيين .
وقد تلقى عدد من الأحزاب العربية ومن اتجاهات سياسية ومشارب فكرية مختلفة مساعدات أمريكية ل”الخروج” من بيئتها الاجتماعية، فتحولت من حركات وطنية تحتاجها بلدانها لاستكمال استقلالها وبالذات عن نفوذ وتدخل قواعد الأمريكيين، إلى حركات سياسية منعزلة، وهذا ما برهنته التطورات والتحولات الجارية في المنطقة العربية، ولسنا هنا بصدد قراءة هذا الموضوع المفتوح راهناً على غير قراءة نقدية، فما له صلة في الموضوع أن جماعات الإخوان المسلمين كانت لها أيضاً اتصالاتها بالأمريكيين . وهذا على الأقل جرى من خلال مشاركتها في لقاءات جرت بين فعاليات سياسية مصرية وبين الأمريكيين، لكن القضية الآن ليست في الاتصالات التي جرت وتجري أو ستجري، فليس من حق أحد أن يحلل لتيار سياسي ما يحرمه على آخر، لكن المسألة التي أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية هي علاقة أمريكية مع جماعه الإخوان المسلمين في مصر، وهذا هو المعنى الأساس للإعلان الصادر من رئيسة الدبلوماسية الأمريكية وغيرها ولم يأت من الطرف الآخر . فعلى ماذا قامت هذه العلاقة مابين الطرفين؟ هناك خلافات في شأن عدد من القضايا وأبرزها السياسة الأمريكية في دعم الكيان الصهيوني واحتلال العراق والتدخل في الشؤون الداخلية المصرية، وهذه قضايا لم تشهد أي تراجع أو حتى مجرد مراجعة أمريكية، لكن في مقابل الاتهام الأمريكي لهذه الجماعة بالتطرف والإرهاب صار الأمريكيون يصنفون الجماعة ب”المسالمة” و”غير العنيفة” و”المنفتحة على الآخر” .
هذا الموقف الأمريكي الذي جرى تسويقه بشكل ملحوظ بدأ منذ انهيار نظام مبارك، حيث تغيرت المواجهات التي كانت قائمة على نحو دائم، ويبدو أن الطرفين قبل أن يصلا إلى التفاهم تقدما بخطوات محسوبة على “الحاجة”، فالجماعة لديها الحاجة للموقف الأمريكي الجديد لتعزيز دورها السياسي في الداخل وتغيير النظرة السلبية نحوها في الخارج، بخاصة في الدول الغربية لتصير لاعباً سياسياً برداء ديني كما حزب العدالة التركي، والأمريكيون يحتاجون للجماعة لبدء مواجهة إخفاقهم، جراء الاعتماد على نظام بأجهزته الأمنية من خلال النزول إلى قاع المجتمع، والجماعة فاعلة في الأوساط الشعبية وهذا من شأنه تحسين صورة أمريكا داخل مصر بمركزها المؤثر في المنطقة العربية كلها .
القضية هنا في طبيعة هذه العلاقة ومجالاتها، كونها تقوم بين جماعة وبين دولة، بما يعنيه ذلك من تأثير في العلاقة المصرية الأمريكية، فإذا كانت الولايات المتحدة تعمل على هذا الأساس في مصر وغيرها، فهل تقبل الجماعة هذه العلاقة؟
مرد السؤال، أن العلاقات بين الدول لها قواعدها وقنواتها، كما أن هناك بين الدول علاقات دبلوماسية فقد صار هناك ما يسمى “الدبلوماسية الشعبية” أو “الإنسانية”، وهذه تتم بين منظمات المجتمع المدني وهي مفتوحة على المجالات الثقافية والاجتماعية، ووحدها القادرة على مد جسور التواصل الحضاري والإنساني، لكنها علاقة ليست غائبة أمريكياً وعربياً فقط، بل ومستبعدة بسياسة صهيونية انعزالية بهدف إبقاء هوة “الجهل” سحيقة وتتعمق بالتجاهل، لأن التواصل من شأنه إسقاط الأوهام وفضح الزيف والتبرير والخداع وتقديم الحقائق عن الشعب الفلسطيني بحقوقه، وعن هذه الأمة بتاريخها العريق في المسيرة الإنسانية وإمكانياتها الهائلة للانبعاث والخروج من كهوف الإقطاع، والخلاص من أنظمة الاستبداد والتحرر من وقيود الاستعمار الصهيوني والانطلاق في الفضاء الإنساني .
جريدة الخليج
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء