أسئلة عند المنعطف...بقلم: غسان شربل

31.10.2011 09:07 AM
تواجه المنطقة منعطفاً صعباً. الضباب كثيف. والبوصلة مضطربة. غالباً ما تترك الانهيارات وراءها مراحل انتقالية يشوبها القلق. وما كانت الانهيارات لتحصل لو كانت المؤسسات متعافية وقادرة على التصحيح بآليات دستورية وشرعية. غياب المؤسسات يجعل المرحلة مرحلة إعادة تأسيس. بعض الصعوبات ناتج من كون القيادة موكولة الى قوى غير مجربة. الى قوى لم تمتحن في موقع القيادة أو المشاركة فيه. وهي قوى تأتي من قاموس آخر. وتزعم أن لديها إجابات على كل أنواع الأسئلة. وأدوية شافية لكل الأمراض.

قبل عامين قال لي مسؤول عربي ما موجزه إن «حماس» أقدر من السلطة الفلسطينية على منع إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل. وإن «حزب الله» أقدر من السلطة اللبنانية على منع إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل. وإن «القوى الحية»، وكان يقصد القوى الإسلامية، تتغير ولو ببطء حين تصبح صاحبة القرار أو شريكة أساسية فيه.

توقع المسؤول أن يستنتج الغرب في وقت غير بعيد أن من مصلحته التعامل مع هذه «القوى الحية» وإن كانت تغرف من قاموس لا يشبه قاموسه. وأن يسلّم بأن وصول الأكثريات الى السلطة يُلزمها بالتعامل مع حقائق الاقتصاد العالمي والتوازنات الدولية. يُلزمها بأن تتغير. استغربت يومها كلام المسؤول، خصوصاً أنه لا ينتمي في العمق الى هذه «القوى الحية» ولا أخاله اليوم سعيداً بتحقق بعض توقعاته.

خرجت «حركة النهضة» التونسية من الانتخابات حاملة لقب اللاعب الأول في الساحة السياسية. ولن يكون غريباً أن تكرس الانتخابات جماعة «الإخوان» في مصر بوصفهم اللاعب الأبرز. وكل شيء يشير الى أن أي انتخابات ليبية مقبلة ستتمخض عن نتائج مشابهة. لا يغيب عن البال الفارق بين مسرح وآخر. وتتناول الفروقات طبيعة الإرث ومقدار وجود المؤسسات وأوضاع القوى السياسية الأخرى ودور الجيش وأحوال التعليم والمرأة.

يدفعنا الربيع العربي نحو منطقة أخرى. ونقف الآن عند منعطف صعب. نملك الكثير من الأسئلة ولا يحق لنا ادعاء امتلاك الإجابات. الشعارات التي رفعت في الميادين وعلى الشاشات لم تمتحن بعد. الإقامة في المعارضة شيء والإقامة في مقاعد الحكم شيء آخر. في الأولى ربما يكفي أن تجاهر بما ترفض وأن تختصر رغباتك بعنوان عريض. في الثانية عليك ان تتعامل مع الواقع والأرقام والميزانيات والحاجات والأولويات. يكاد الضوء يبهر عيوننا فقد أقمنا طويلاً في الكهف. لا الشعاراتُ كانت صادقة ولا الأرقام صحيحة أو دقيقة.

أسئلة. أسئلة. هل صحيح أن القوى التي أطاحت من سمتهم الطغاة تريد إقامة دولة مدنية؟ هل صحيح انها تقبل الآخر المختلف؟ هل حديثها عن التعددية وتداول السلطة وليد قناعة راسخة أم كان من مستلزمات الترويج لكسب المعركة. هل تقبل هذه القوى لاحقاً قيام مؤسسات حقيقية وقضاء نزيه وانتخابات حرة؟ هل تقبل بحقوق المرأة والمواثيق الدولية ومستلزمات التعامل مع الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام؟ وكيف ستتعامل السلطات الجديدة مع الأقليات وحقوقها وهواجسها؟

انها أسئلة حقيقية مطروحة عند منعطف صعب أو خطر. القوى الإسلامية التي تحولت لاعباً أساسياً في مرحلة ما بعد الربيع تجد نفسها أمام امتحان لا يمكن النجاح فيه. بالاكتفاء بعبارات المجاملة ومساحيق التجميل وإبداء الإعجاب بالنموذج التركي.
جريدة الحياة/ لندن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير