مسلم أم قبطي أم إنسان؟...بقلم: علاء الاسواني

30.10.2011 10:04 AM
عزيزي القارئ

هل تعتبر نفسك ـ في المقام الأول ـ مسلما أم مسيحيا أم انسانا؟ هل تعتبر انتماءك أولا الى دينك أم أن انتماءك الى الانسانية يسبق أي انتماء آخر.... ان اجابة هذا السؤال سوف تحدد رؤيتك للعالم وتعاملك مع الاخرين. فلو أنك تعتبر نفسك انسانا قبل أي اعتبار آخر فانك قطعا سوف تحترم حقوق الآخرين بغض النظر عن أديانهم. ان الفهم الصحيح للدين سيجعلك بالضرورة أكثر انتماء للانسانية، لأن الدين في جوهره دفاع عن القيم الانسانية: العدل والحرية والمساواة... أما لو اعتبرت أن انتماءك للدين يسبق انتماءك للانسانية فقد بدأت طريقا خطرا ستتورط آخره غالبا في التعصب والعنف..
الدين بطبيعته ليس وجهة نظر وانما هو اعتقاد حصري، لا يفترض صحة الأديان الأخرى. يبدأ الأمر بأن يؤمن الانسان بأن دينه هو الوحيد الصحيح، أما أتباع الأديان الأخرى فهم في نظره ضالون، لأن أديانهم مزيفة أو محرفة أو لم تنزل من السماء أساسا. هذا الاحتقار للأديان الأخرى سيؤدى بك بالضرورة الى التقليل من شأن أتباعها. فاذا كان المختلفون عنك دينيا يؤمنون بأوهام وخزعبلات، بينما أنت الوحيد الذي تؤمن بالدين الصحيح، فلا يمكن أن يتساوى هؤلاء الضالون معك في الحقوق الانسانية. شيئا فشيئا سيؤدى بك هذا التفكير الى نزع الطابع الانساني dehumanization عن المختلفين معك في الدين..
سوف تفكر في أصحاب الأديان الأخرى بشكل جمعي وليس بطريقة فردية. اذا كنت مسلما لن ترى جارك القبطي باعتباره انسانا له وجود مستقل وسلوك شخصي، وانما ستعتبره واحدا من الأقباط، وسوف تعتبر أن الأقباط عموما لهم سلوك وطباع معينة تميزهم، عندئذ سوف تقطع خطوة أخرى نحو الكراهية فتقول جملا من نوع:
«هؤلاء الأقباط خبثاء ومتعصبون.. أنا لا أحبهم».
وقد تبلغ بك كراهية أصحاب الديانات الأخرى الى درجة التقزز فهم في نظرك، بالاضافة الى كونهم كفارا، غارقين في النجاسة لأنهم لا يتطهرون بنفس طريقتك من الجنابة، و قد تلاحظ اذا اقتربت من أحدهم أن لهم رائحة مميزة ربما بسبب البخور الذين يستعملونه أو الطعام الذي يأكلونه. عندما تصل الى هذه الدرجة يا عزيزي القارئ فأنت للأسف شخص متعصب متطرف دينيا وأنت مرشح بقوة لارتكاب جرائم في حق الآخرين، لأنك فهمت الدين بطريقة خاطئة أدت بك الى كراهية الآخرين واحتقارهم..
السؤال هنا: كيف كان المصريون يمارسون تدينهم؟ الحق أن المصريين من أكثر الشعوب تدينا لكن تراثهم الحضاري جعلهم دائما يفهمون الدين على النحو الصحيح. لقد احترمت مصر دائما الأديان جميعا، وكانت دائما مكانا آمنا متسعا للجميع فاستقبلت المهاجرين من كل الملل والأعراق، من أرمن وايطاليين ويونانيين ويهود وبهائيين... كما أن حضارة مصر أتاحت الحريات الشخصية الى أقصى مدى. في مصر المتحضرة أنت الذي تحدد نمط حياتك. اذا أردت أن تذهب للصلاة فاذهب واذا أردت أن تذهب لترتكب المعاصي فاذهب. أنت حر تماما لكنك أيضا وحدك مسؤول تماما عن أفعالك أمام الله والقانون. في عام 1899 قدم الامام العظيم محمد عبده القراءة المصرية للاسلام فخلص العقل المصري مرة واحدة والى الأبد من التعصب والخزعبلات، وبالرغم من الاحتلال البريطاني انطلقت مصر لتكون رائدة في كل مجال تقريبا.. ظل هذا الفهم المصري المتسامح للاسلام مستقرا في مصر حتى اندلعت حرب أكتوبر عام 1973 وبفضل تضحيات الشعبين المصري والسوري ارتفع سعر النفط عدة مرات، ما أعطى الدول الخليجية النفطية قوة اقتصادية غير مسبوقة. ولأن النظام السعودي يعتمد في استقراره السياسي على تحالفه مع الشيوخ الوهابيين، فقد تم انفاق ملايين الدولارات من أجل نشر الفهم الوهابي للاسلام في العالم كله. أضف الى ذلك أن الأزمة الاقتصادية في مصر قد أجبرت ملايين المصريين على الهجرة للعمل في السعودية، فعادوا مشبعين بالأفكار الوهابية الغريبة تماما عن المجتمع المصري. القراءة الوهابية للاسلام، على العكس تماما من القراءة المصرية، مغلقة متشددة معادية للديموقراطية ظالمة للمرأة.. الوهابية تحيل الدين غالبا الى طقوس واجراءات وتهتم بالشكل على حساب جوهر الدين. المصري يتعلم في بلاد الوهابية أن شعر زوجته لو انكشف في الشارع فلسوف تردعه فورا جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (المسؤولة عن فرض الأخلاق الحميدة بالقوة) وفي الوقت نفسه يدرك المصري في السعودية أن القوانين لا يمكن تطبيقها أبدا على الأميركيين والأوروبيين والأمراء والكبراء، وانما تطبق القوانين بصرامة فقط على المصريين وبقية الجنسيات المستضعفة. المصري هناك يتعلم أن التقاعس عن أداء الصلاة من الكبائر ولكن في الوقت نفسه، أن يقوم الكفيل السعودي باذلال المصريين ونهب حقوقهم المالية والقائهم في السجن اذا طالبوا بحقوقهم، فهذه مسألة أخرى بعيدة تماما عن الدين وفقا للمفهوم الوهابي.
على مدى عقود انتشرت الأفكار الوهابية في مصر، وكان أخطر ما زرعته في المجتمع المصري كراهية الأقباط وتحقيرهم، ونعود الى مجلة «روز اليوسف» العدد 4327 لنقرأ موضوعا للأستاذ عصام عبد الجواد استعرض فيه تصريحات شيوخ السلفيين الوهابيين عن الأقباط.. فالشيخ سعيد عبد العظيم يقول:
«لا محبة ولا صداقة مع النصارى ولا يجوز اتخاذ أولياء منهم أو تهنئتهم بأعيادهم لأنهم يزدادون كفرا في أعيادهم».. الشيخ أبو اسلام يقول: «يجب أن يتعقل المسيحيون لأن كل ما يؤمنون به مناف للحقيقة والعقل»... الشيخ ياسر البرهامي يؤكد أنه «لا يجوز للمسلم مشاركة الأقباط في مناسباتهم الدينية لأنهم مشركون»... أما الشيخ أحمد فريد فيقول «لا يجوز للمسلم أن يواسي القبطي في ميت له ولا يجوز أن يعشمه بشيء في الآخرة فليس للقبطي في الآخرة الا نار جهنم».
هذه أمثلة لما يتردد كل يوم في الخطب التي يلقيها مشايخ الوهابية في المساجد والفضائيات السعودية. هذا الكلام اذا حدث في أي دولة محترمة يعتبر جريمة تحريض على كراهية المواطنين والاعتداء عليهم لمجرد أنهم مختلفون في الدين. لكن مشايخ الوهابية للأسف يسممون عقول المصريين ويملأون قلوبهم بالكراهية والتعصب بلا أدنى رادع من أخلاق أو قانون. ماذا نتوقع من هؤلاء الذين يفكرون بهذه الطريقة؟ هنا يبدو ما حدث منذ أيام في قرية الماريناب بادفو في محافظة أسوان مفهوما بل ومتوقعا .. في قرية الماريناب توجد كنيسة مار جرجس التي يصلىي فيها أقباط القرية منذ عام 1940 وقد تهدمت حوائطها مؤخرا بفعل القدم فقام المسؤولون عنها باصدار تراخيص قانونية من أجل تجديدها.. الى هنا والأمر طبيعي، فجأة حدثت مشكلة: ظهرت مجموعة من السلفيين الوهابيين ليرفضوا ترميم الكنيسة، وبدلا من أن تقوم السلطات بتنفيذ القانون وحماية الكنيسة، عقد مسؤولون في الشرطة والجيش مجلسا عرفيا قام فيه السلفيون باملاء شروطهم على خادم الكنيسة حتى يقبلوا تجديدها، فاشترطوا أن تظل الكنيسة بدون ميكروفونات ولا قبب ولا صلبان. السؤال هنا كيف تقوم كنيسة بدون الصليب الذي هو رمز العقيدة المسيحية؟ الاجابة أن هذه رغبة السلفيين التي وافق عليها المسؤولون في الشرطة والجيش، واضطر خادم الكنيسة الى الموافقة عليها حتى يتمكن من ترميم كنيسته. الغريب أن قبول خادم الكنيسة بهذه الشروط المجحفة لم ينقذ الكنيسة من السلفيين. ففي يوم الجمعة التالي، قام خطيب الجامع الوهابي بتحريض المصلين ضد الكنيسة. وما ان انتهت الصلاة حتى انطلق المتعصبون وحاصروا الكنيسة ثم أحرقوها وهدموها تماما. وقد ارتكبوا جريمتهم على مدى ساعات ولم تتدخل خلالها قوات الجيش أو الشرطة لحماية بيت من بيوت الله .أما السيد محافظ أسوان وهو من فلول نظام مبارك، فقد اعتمد الطريقة القديمة في انكار المسؤولية فصرح بأنه لا توجد أصلا كنيسة في القرية (أي أن كل ما حدث كان مجرد تهيؤات في أذهان بعض الأقباط لا أكثر ولا أقل). ان جرائم الاعتداء على الكنائس تكررت بطريقة غريبة ومريبة في مصر بعد الثورة. فما حدث في ادفو قد حدث من قبل في الفيوم والاسماعيلية وامبابة وعين شمس واطفيح، الأمر الذي يثير أكثر من سؤال:
أولا: ان المجلس العسكري يقوم بمهام رئيس الجمهورية والبرلمان جميعا أثناء الفترة الانتقالية وبالتالي فهو وحده المسؤول عن ادارة البلاد. لماذا يتعامل أفراد الشرطة العسكرية مع المتظاهرين بقسوة فيضربوهم ويعذبوهم ويهينوا آدميتهم، بينما يكتفي أفراد الشرطة العسكرية بالتفرج على السلفيين وهم يحرقون الكنائس والأضرحة، ويقطعون أذن مواطن قبطي ويقطعون خط قطار الصعيد لمدة عشرة أيام كما حدث في قنا؟ لماذا تتحول قبضة الشرطة العسكرية القاسية الى قفاز من حرير عندما تتعامل مع السلفيين؟ لماذا يجلس ممثلو الجيش والشرطة مع السلفيين للتفاوض و يخضعون لشروطهم كأنهم يمثلون دولة أخرى أقوى من مصر؟ ما هي الصفة القانونية للاخوة السلفيين التي تمكنهم من تفتيش الكنائس والسماح ببنائها بشروطهم أو منعها وهدمها أو حتى احراقها اذا أرادوا؟ هل يتمتع السلفيون بحظوة سياسية معينة عند المجلس العسكري أم أن حوادث الانفلات الأمني والعنف الطائفي تحقق مصلحة سياسية معينة للمجلس العسكري لأنها تبرر بقاءه في السلطة بذريعة الحفاظ على الأمن وحماية الأقباط من اعتداءات المتطرفين؟
ثانيا: منذ القرن التاسع عشر ناضل الشعب المصري على مدى عقود وقدم آلاف الشهداء من أجل هدفين: الاستقلال والدستور.. من أجل انهاء الاحتلال الانكليزي وبناء الدولة المدنية الديموقراطية التي كانت أمل زعماء مصر جميعا بدءا من سعد زغلول وحتى جمال عبد الناصر.. هؤلاء الزعماء لم يكونوا علمانيين معادين للاسلام كما يردد الوهابيون، لكنهم كانوا من الثقافة والرقي الحضاري بحيث يدركون أن الدولة المدنية التي تساوي بين مواطنيها بغض النظر عن أديانهم، هي الطريق الوحيد للتقدم. ان أي محاولة لتغيير التركيبة المدنية للدولة ستيؤدي بمصر الى كارثة حقيقية. فاذا كان الوهابيون لا يطيقون وجود كنيسة، وهم مجرد أفراد فماذا سيفعلون بنا، مسلمين وأقباطا، اذا تولوا السلطة في مصر؟
ان الاسلام ـ اذا أحسنا فهمه ـ يجعلنا أكثر انسانية وتسامحا واحتراما لعقائد الآخرين. أما تحقير الأقباط والاعتداء عليهم فهما جريمتان مشينتان لا علاقة لهما بأي دين.
الديموقراطية هي الحل
عن جريدة السفير/ بيروت

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير