هل فقدت «المصالحة» قوة زخمها؟...بقلم:عريب الرنتاوي

29.10.2011 02:24 PM
فقدت قضية «المصالحة الوطنية» الفلسطينية الكثير من قوة زخمها...والشعب لم يعد يطالب بإنهاء الانقسام على ما يبدو...وباستثناء تصريحات متفرقة ومواعيد مضروبة وأخرى مرجأة، لم نعد نرى حراكاً على الأرض، لكأن فريقي الصراع، استمرآ استمرار الحال على هذا المنوال.
وبالنظر لطول أمد الانقسام واتساع فجوته وتعدد مناحيه، فقد تحوّل الحراك لإتمام المصالحة، إلى «مهنة» يحترفها نفر من السياسيين و»بيزنيس» يمارسه نشطاء مجتمع مدني...أما على الأرض فلا شيء يبدو أنه يتحرك على نحو جدي...في الوطن والشتات، على حد سواء....ويزيد الطين أن الفصائل الأخرى، المصطفة على ضفتي معادلة الانقسام، باتت تستمرئ استمرار هذا الحال، بعد أن وجدت لنفسها في «منافع» تخشى من خسارتها، إن عادت المياه إلى مجاريها.
ولعل انقسام الجغرافيا الفلسطينية وتباعدها، ما يجعل مهمة استعادة الوحدة وإتمام المصالحة، مهمة أكثر صعوبة مما هي عليه في دول ومجتمعات «التواصل الجغرافي»...فكلا السلطتين والحكومتين، لا تشعران بأي ضغط حقيقي للتخلي عن «سلطانها»، بل ان «قوى الأمر الواقع» تدفع باتجاه بقاء الحال على حاله، وهي مستعدة في هذا السياق، لأن تبذل كل جهد ممكن لتعزيز سيطرتها، حتى وإن أدى ذلك إلى الالتزام بأدق حذافير «التنسيق الأمني» في الضفة، والتقيد بأشد معايير «التهدئة» و»الهدنة» في القطاع.
والراجح أن مناخات «الاسترخاء» في مواجهة الاحتلال والاستيطان، لا تجعل قضية الوحدة والمصالحة، ضاغطة على الرأي العام الفلسطيني، الذي اعتاد أن يشتق أكثر الطرق إبداعاً لتكريس وحدته وتعزيزها، في «معمعان» النضال ضد الاحتلال...وبغياب هذا «النضال» عملياً، كما هو الحال هذه الأيام، تغيب الحاجة الضاغطة للدفع باتجاه استرداد الوحدة واستعادة المصالحة.
والراهن أن هذا الوضع، مرشح للاستمرار طويلاً، ما لم يطرأ على ساحة الصراع مع الاحتلال، تطورات دراماتيكية، تعيد تجديد الحاجة لاستعادة الوحدة وبناء البيت الفلسطيني وتصليب الجبهة الداخلية...من الواضح تماماً، أن مسار استرداد المصالحة، باتت تتحكم به، ضرورات المواجهة مع الاحتلال، وبات مندمجا بسياقات النضال لإنهاء الاحتلال، ومن دون ذلك، لا أحد يريد أن يتخلى عن «إمبراطوريته» طواعية.

ومما يجعلنا أقل تفاؤلاً بقرب حدوث اختراق على هذا الصعيد..أن «الملف الفلسطيني» بمجمل صفحاته، قد وضع على «أرفف الإرجاء والتأجيل»، بانتظار ما يمكن أن يقع من تطورات على جبهات أكثر سخونة...من سوريا واليمن، إلى دول الربيع العربي التي تصارع لبناء نظمها الجديدة...فالقضية الفلسطينية لم تعد مدرجة على جدول أعمال الإقليم والمجتمع الدولي، أو على الأقل، لم تعد في صدارة المواضيع المدرجة على هذا الجدول....ولعل أوضح دلالة على ما نقول، غياب الوساطات والوسطاء بين أفرقاء الانقسام الفلسطيني الداخلي.

لكن لحظة المواجهة مع الاحتلال، لم تعد بعيدة على ما يبدو...فإسرائيل في ظلال نتنياهو – ليبرمان، أغلقت كل بوابات الأمل والرجاء...وهي تدفع الشعب الفلسطيني دفعاً، للبحث عن خيارات وبدائل أخرى، خارج أطر التفاوض والدبلوماسية...وانحباس آفاق الحل السياسي وخيار «الدولتين»، لا يبقي للشعب الفلسطيني سوى البحث في صياغة استراتيجية وطنية جديدة، تحتل المقاومة بمختلف أشكالها، مكان الصدارة فيها.
لا بل إن انزياح إسرائيل نحو اليمين، قد يجعل المراهنين على عملية السلام وخيار التفاوض، «يترحمون» غدا على حكومة نتنياهو – ليبرمان، كما ترحموا بالأمس على حكومة أولمرت - باراك...فهذا المجتمع العنصري ما عاد ينتج سوى الحكومات اليمينية، وفي كل انتخابات، تنزاح هذه الحكومات درجات إلى اليمين، وما كان ممكنا بحثه مع نتنياهو وأسلافه، سيكون من المستحيل تناوله معه ومع خلفائه من رؤساء حكومات إسرائيل القادمين.
ويهدد هذه الجنوح نحو اليمين، لا مستقبل عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل ويتهدد مستقبل السلام القائم مع مصر والأردن كذلك، ولعل التصريحات التحذيرية المهمة التي أدلى بها الملك عبد الله الثاني لصحيفة الواشنطن بوست، ما يكفي للدلالة على الدرك الذي هبط إليه هذا السلام، والمصائر الصعبة التي تنتظر أطرافه...وما يؤذن بقرب اندلاع مواجهات متعددة الساحات والمسارات والميادين...وانتقال العلاقات بين هذه الأطراف من «السلام البارد» إلى «الحرب الباردة».

في هذا السياق، وفي هذا السياق وحده على ما يبدو، يبدو أن المصالحة يمكن أن تجد فرصتها، وبخلاف ذلك، فإن المطالبة بها ستظل على الأرجح، مهنة من لا مهنة له.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير