وقفة على مشارف المصالحة الفلسطينية!..بقلم: نزار السهلي

09.07.2011 12:35 PM

منذ الإعلان عن المصالحة الفلسطينية -الفلسطينية، في الرابع من أيار الفائت برعاية مصرية بمشاركة الفصائل الفلسطينية، والأحاديث والأنباء السرية والعلنية التي تمت قبل التوقيع وبعده، كانت تؤكد أن الشكليات التي أتى عليها الموقعين لن تفضي لنهاية سعيدة، ودللت على أن الموضوع أبعد من المجاملة، وأخطر من الشكليات التي رافقت عناق "الإخوة" في فتح وحماس.

وليس من قبيل الاستنتاج بل من قبيل الاعتراف الصريح، إن إشكالية التصالح والمصالحة كانت أبعد من الاحتفالية التي تنتظر خروج "حكومة الوحدة الوطنية "إلى النور، وفيها بيت القصيد وبيت "القش" الذي سينهار مع تجاذب "الإخوة" في محاصصة الحكومة التي من المفترض أن تضمن توافق الأطراف على الحد الأدنى، في الوقت الذي برز فيه خلاف التسمية على "رئيس الحكومة "، مع تمسك الرئيس عباس بمرشحه الأقوى "سلام فياض" وتصريحاته بعدم قبول أي "شخصية قد تجلب الحصار والدمار للشعب الفلسطيني".

لقد ظهر التطابق التام بين التصريحات الإسرائيلية، والضغوط الدولية إذا ما شكل الفلسطينيين حكومة توافق حول ما بات يعرف باستحقاق "أيلول" الذي يحاول الفلسطينيون استجلاب اعتراف دولي "بدولتهم "وجعله مفخرة إنجازهم، بعد الإخفاق الكبير الذي تعرض له خيارهم التفاوضي الذي كان حتى الأمس القريب يعتبر إنجازا "له منظريه " في هرم السياسة الرسمية الفلسطينية مستندا إلى الدعم العربي والغربي لمساره.

من السهل اليوم أن نلاحظ غياب كل البدائل الشرعية، وتقديم المقترحات المضللة للرأي العام، وإشاعة أجواء التفاؤل عن المصالحة "وعن حكومة الوحدة الوطنية" أو التكنوقراط أو المستقلين، لكن في لب كل التحركات هناك محاولات جديدة – قديمة تفصح عن مهزلة ومأساة الابتذال في الأداء السياسي على هذا النحو من "الملهاة" الجديدة، ولاشك أن الذي سمح لكل هذا القدر من الابتذال هو بقاء الغطاء الفلسطيني لتحرك "الشرعية "التي يتحدث عنها أبو مازن فيما يتعلق بالحكومة ورئيسها وبرنامجها "التفاوضي" مهما تبددت الحقوق الفلسطينية، وليس من حق أحد أن تصيبه الدهشة فأبو مازن هو" أبو مازن "كما يعرف عن نفسه في كل مناسبة بتمسكه بالمفاوضات حتى رمق الأرض الأخير. وهل هناك ما هو أوضح من ذلك؟ولكن علينا أن ننتبه أن جهود أبو مازن هي مربط الفرس في السياسة الفلسطينية، فيما رئيس الحكومة يترجم مسار الفرس الممسك به عباس من لجامه! والذي يقول صراحة أنه ضد التوجه الفلسطيني لنيل الاعتراف بالدولة التي يبني مؤسساتها رئيس الحكومة، والتي ترتبط به كل مشاريع الدول المانحة التي لعبت دورا ضاغطا في تحديد مسار السياسة الفلسطينية على الصعيد الداخلي والخارجي.

وفي الإطار ذاته تبدو عقبة "رئيس الحكومة" الكأداء الممسك بها أبو مازن من باب "حقه" وحق المجتمع الدولي في تسميته كضمان لاستمرار ذات النهج، فإن صورة الوفاق الفلسطيني ستبدو أكثر ضبابية، وعكس صور القبل والعناق أمام وسائل الإعلام.

إذا أردنا أن نفسر واقع الازدواج المائل في المصالحة الفلسطينية، وبخياراتها التفاوضية لا بد أن نعرج ولو قليلا على نتائج اللحظة التي قرر فيها كل من فتح وحماس حسم الأمر باتجاه إنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، لندرك أن الخيار السياسي للسلطة الفلسطينية ما زال يلتصق بشدة بمحور المفاوضات مهما كانت العقبات والنتائج، وهو ما سيترك تأثيره على مجريات المصالحة في البيت الفلسطيني ولو بعد حين.

رغم الحقيقة السابقة ورغم سياسة التنازلات والتفريط التي سار عليها ركب السلطة فإن مجموعة من التعقيدات والملابسات التي لا تزال تقف أمام انخراطها الكامل في سياسة القبول بالطروحات الأمريكية والإسرائيلية، وأحد أهم العقبات التي يواجهها فريق السلطة في رام الله، استمرار الرفض الصهيوني الواضح للاعتراف بأدنى الحقوق الفلسطينية، هذا الرفض الإسرائيلي الذي جعل فريق السلطة لا يتردد في تقديم أوراقه المتهاوية في السلة الإسرائيلية للفوز بالدولة.

في مواجهة هذا الواقع، هناك تساؤل مهم وخطير يقبع في العقل عن إمكانية الدفع بحالة الانقسام خلف الظهر كي تصبح من الماضي؟ أم بتعميق انقسام الشعب الفلسطيني الذي يواجه استعمارا استيطانيا ذا طبيعة خاصة، وأيضا ألا يجب الوقوف بمسؤولية كبيرة أمام السياسات الإسرائيلية من عدوان وقتل واستيطان وتهويد، وجميعها مؤشرات كانت بالمطلق والمنطقي تستوجب منع الانقسام الفلسطيني والعربي بدل تكريسه وتنظيمه بشكل نهائي رغم محاولات التجميل له.

إن المعادلة التي يتوجب علينا حلها بدقة، هي كيف نواجه خطر الانزلاق مجددا في أوهام "الدولة" من جانب وفي الحفاظ على الوحدة الوطنية لمواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني من جانب آخر، فإذا أيقنا أن إسرائيل هي مشروع استيطاني فإننا سنرفض كافة السياسات والتكتيكات التي ستفضي في نهاية المطاف العودة مجددا لدائرة التفاوض العبثي. ان موقع وأهمية هذه المهمة في إطار مهمات العمل الوطني الفلسطيني تجعل من الضروري جدا بذل كل الجهود الممكنة لمنع التوجهات التي تحاول فرض عناصر الاستسلام للأمر الواقع، حتى نتمكن من توفير مقومات الوحدة والمصالحة، وهي مسائل تستوجب التعامل بأقصى درجات الحرص والمسؤولية الوطنية لئلا نحصد الفشل الذريع على مشارف المصالحة الفلسطينية ودولة كتبت على ورق التلمود.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير