"الربيع السوري" ربيع اسرائيلي...بقلم/ مصطفى زين
كان شبيبة «الليكود» وفلاسفته نجومَ مهرجان بعض المعارضة السورية في باريس. الداعي إلى الاحتفال هنري برنار ليفي، وهو - لمن لا يعرفه - واحدٌ ممن كان يطلق عليهم لقب «الفلاسفة الجدد» في فرنسا، ومن هؤلاء أيضاً زميله أندريه غلوكسمان. الاثنان هجرا الفلسفة من زمان. لم يعد يعرف عنهما شيء في هذا الحقل، بعدما تفرغ الأول للعلاقات العامة وللدفاع عن إسرائيل، والثاني لمهاجمة العرب وكل ما هو يساري في هذا العالم، وأصبح ليكودياً.
بين الحضور أيضاً وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير، المعروف في بلاده بـ «المهرج»، وفي بلادنا بالمعادي للقضايا العربية والمحامي البارع في الدفاع عن إسرائيل. ومن نجوم المهرجان أيضاً أليكس غولدفارب، وهو نائب سابق في «الكنيست» الإسرائيلية ومستشار لدى وزير الدفاع إيهود باراك وله مهام أخرى.
أما ممثلو بعض المعارضة السورية في المهرجان، فمعظمهم غير معروف، عدا لمى الأتاسي صاحبة جمعية «سورية-فرنسا-الديموقراطية»، والقيادي في «الإخوان المسلمين» ملهم الدروبي، وأشرف المقداد من «جبهة الخلاص»، بزعامة عبد الحليم خدام. قاطَعَ مثقَّفون معارضون المهرجان، بينهم برهان غليون وصبحي حديدي وفاروق مردم بك، الذين أصدروا بياناً منددين بفيلسوف المهرجان ورعاته «الليكوديين».
الواقع أن خطباء المهرجان لم يكتفوا بمهاجمة النظام السوري، بل تعدوا ذلك إلى تحميل العروبة والوحدة المصرية - السورية مسؤولية نشر الاستبداد، فيما كان دفاع بعض الفرنسيين عن الصهيونية وديموقراطيتها على أشده. تحول اللقاء من مهرجان لـ «التضامن مع الشعب السوري» إلى مهرجان للإشادة بـ «الليكود» والدفاع عن الصهيونية.
هذا سلوك بعض المعارضة السورية. يريدون إسقاط النظام بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب دماء السوريين. هذا البعض المستعجل تسنُّمَ السلطة، يؤكد قصر نظره يوماً بعد يوم، فهو بسلوكه وعدم اكتراثه بما يحيط بسورية، وبإبدائه حسن نواياه تجاه إسرائيل، يقدم خدمة كبيرة للنظام.
والأهم من ذلك أنه لا يأخذ في الاعتبار الحروب الأهلية التي سببها التدخل الأميركي، واستطراداً الإسرائيلي، في العراق ولبنان. وكأن هذه الحروب المدمرة للبلدين غير كافية ليأخذ عبرة منها، فتدمير ليبيا جارٍ أمام أعيننا، بحجة نشر الديموقراطية والتخلص من الديكتاتور، كي ينعم الليبيون بربيع ميليشيات المعارضة.
المشكلة في هذا النوع من المعارضة هي أميتها السياسية، وعدم إيمانها بالشعب الذي تدّعي تمثيله فتلجأ إلى الخارج. هذا ما حصل مع المعارضة العراقية التي لم تثق بالعراقيين، وبأن الوقت كفيل بإزالة الديكتاتورية، وهذا ما حصل في ليبيا، وبعض اللبنانيين كان سبق الجميع إلى ذلك. هم لم يتعلموا الدرس حتى الآن.
في المقابل، يجتمع معارضون في دمشق، ويشاركون في الاحتجاجات الشعبية. يناقشون الأوضاع وكيفية تغيير النظام أو سبل إصلاحه، من دون مهرجانات ينظمها ليكوديو باريس، ومن دون اللجوء إلى الحلف الأطلسي أو الولايات المتحدة أو مجلس الأمن.
الفرق بين من يحضر مهرجاناً ينظمه برنار هنري ليفي ومن يقاطعه ويؤيد لقاءات دمشق بسيط جداً، الأول قصير النظر يسعى إلى السلطة بأي ثمن، والثاني مثقف معارض حقيقي يعرف دور سورية في محيطها ويحاول تعزيزه بالديموقراطية.
ليكوديو فرنسا حولوا «الربيع السوري» إلى «ربيع إسرائيلي»، وبعض المعارضة لم يعترض.
جريدة الحياة/ لندن
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء