وهكذا أخطأ "سيد المقاومة" .. بقلم: عريب الرنتاوي

26.10.2011 04:15 PM
للسيد حسن نصر الله مكانة خاصة في قلوب ملايين العرب والمسلمين...ولقد شقت شعبيّته عنان الأرض والسماء بعد حرب تموز 2006 والصمود الباسل الذي سجّلته المقاومة الإسلامية اللبنانية في وجه آلة الحرب الإسرائيلية و"الجيش الذي يقهر"...وكاد الرجل أن يصبح منافساً جدياً لأكثر رموز السياسة العرب شعبية، وفي أوطانهم بالذات...وتمتع بميزة قلما حظي السياسيون و"المناضلون" في هذه المنطقة، وأعني بها الصدقية العالية الناجمة عن مزيج مبدع بين المبادئ والبراغماتية.
لكن "سيد المقاومة" يواجه هذه الأيام، وبعض سنوات خمس من الوصول إلى "قمة الشعبية"، تحدياً حقيقياً لشعبيته، حتى في المناطق والأوساط التي رفعت صوره وشعاراته على الأكف والأكتاف...بل أنه بات في نظر بعض قوى "ربيع العرب" عبئاً لا ذخراً، ومصدر تهديد لا عنصر دعم وإسناد، وحلقة من حلقات "الثورة المضادة"ـ لا موقعاً متقدما في صفوف ثورات العرب وخنادق انتفاضاتهم الشعبية.
وللحقيقة والإنصاف، فإن ما آلت إليه "شعبية" الرجل، لم يكن محض صدفة مجردة، أو نتيجة منطقية لأخطاء وممارسات قارفها الرجل وحزبه و"مقاومته"...فهناك إلى جانب هذا وذاك، الهجوم المنظم الذي تعرض له "السيد" و"الحزب" و"المقاومة"، من قبل جبهة عريضة تمتد من لبنان وتمر بعواصم الاعتدال ولا تنتهي في بعض عواصم صنع القرار الدولي...خصوصا بعد تفشي حالة الهلع في فرائصها بنتيجة "نصر تموز"، حيث تأكد للشعوب العربية أن النصر
على إسرائيل، أو على الأقل، الصمود في مواجهتها، أمر ممكن...وأن الهزيمة ليس سوى قدر المهزومين والمتخاذلين والجبناء.
مع اندلاع "ربيع العرب"، وجد حزب الله في السقوط المدوي لنظامي مبارك وبن علي، نصراً مجانياً لخيارات الحزب الأساسية...لقد تخلص من عدو لدود وخصم عنيد في القاهرة...وبدا أن "أنظمة الاعتدال"، قد فقدت توازنها، وانتقلت إلى أضعف خنادق الدفاع عن الذات والوجود...ولقد عبر مهرجان التضامن الحاشد مع الثورات العربية الذي نظمه الحزب في الضاحية الجنوبية، عن ذورة "الانتشاء" بيقظة الشعوب العربية وهزيمة أنظمتها الفاسدة والمتهافتة.
لكن "ربيع العرب" أخذ حزب الله على حين غرة، وفاجأه من حيث لا يحتسب...ولقد وجد "السيد" نفسه في خضم لحظة صعبة للغاية، إن لم نقل مستحيلة...خصوصاً بعد انتقال شرارات هذا الربيع إلى سورية والبحرين....فكل موقف سيصدر عن الحزب، ستترتب عليه أكلاف هائلة...وهذا ما حصل فعلاً، ومن دون زيادة أو نقصان.

في الموقف من انتفاضة البحرين، بدا "النفس المذهبي" واضحاً، بل و"فاقعاً" في خطاب الحزب، وبالأخص في خطابه الإعلامي...لقد خسر
الحزب في "المسألة البحرينية" كل المحاولات التي بذلها بجهد واجتهاد، وبصدق وإخلاص، لتقديم نفسه خارج "الإطار المذهبي الضيّق"، وفي غضون أيام وأسابيع، كان الحزب يبدد ثمار جهد مضنٍ، أمتد لسنوات طوال...ولقد تكرست الصورة المذهبية للحزب بما لا يدع مجالاً للشك، بعد اندلاع احداث البحرين، ومواكبة الحزب، سياسة وإعلاماً، لتطوراتها وتداعياتها.
إلى أن جاءت الثورة السورية، لتكتمل "دائرة الخسران" حول الحزب، فما زال ملايين السوريين والعرب، يتذكرون مناشدات السيد حسن نصر
الله للسوريين، للالتفاف حول "نظامهم المقاوم والممانع"...وهو أمر طرح الكثير من علامات السؤال، حول "الصدقية" و"الطهرانية الثورية" و"منطق الانحياز للجماهير والمحرومين والمظلومين" إلى غير ما هنالك...لقد غلّب الحزب مصالحه وحساباته، على مبادئه ومنطلقاته، وبدا في أعين كثير من القوى والفئات والشرائح، حزباً "سلطويّاً" يتنفس من رئة النظام السوري، فضلا عن روابطه الخاصة بالنظام الإيراني، المعروفة للجميع على أية حال.
أمس الأول، أطل حسن نصرالله بخطاب، حاول فيه الجميع بين نقيضين، دعم الأسد من جهة ودعم غالبية السوريين من جهة ثانية...وهي "مهمة مستحيلة" بكل المقاييس، خصوصاً بعدما سقوط ما يقرب من الأربعة آلاف قتيل ومرور ما يقرب من الأشهر الثمانية على اندلاع الثورة السورية...ولا أحسب أن أحداً، في سوريا أو خارجها، باستثناء أعوان النظام والمقربين منه و"أزلامه"، قد "اشترى" البضاعة التي عرضها أمين عام حزب الله في حديثه الأخير.
لقد بدا أن السيد نصر الله، يفتقر "للمواكبة اللصيقة" للأحداث والتحليل الدقيق للمشهد السوري، في بعديه الإقليمي والدولي، وقد تأكد ذلك حين أطلق نبوءته المتفائلة حول قرب خروج النظام السوري من أزمته، والتي قال أن الأصعب من فصولها وحلقاتها، قد بات وراء ظهورنا.
هما فرضيتان، ما كنّا نأمل أن تندرجا على لسان السيد نصر الله...فالغالبية السورية المؤيدة للإصلاح، لا يمكن جمعها والنظام القائم في سلة واحدة، وإدعاء تأييدهما معاً من دون تعارض...والأصعب في الأزمة السورية، ما زال في انتظارنا، ونحن مقبلون على فصول جديد من المسرحية الليبية التي سيعاد إنتاجها سورياً...ويخطئ من يظن أن "السيناريو السوري" الذي يستلهم نظيره الليبي، لم يعد مكتملاً.
نحن نعرف مأزق حزب الله في سوريا ومعها...وكنا سنجد له العذر لو أنه وقف على شرفة الحياد..وهذا تحدٍ بحد ذاته...أو أن هو اكتفى بنسخ بيانات حماس وإعادة طبعها ولصقها...لكن الحزب أبى إلا أن يكون في خندق دفاعي متقدم عن النظام الحليف، وإلى الحد الذي باتت قوى الحراك السوري، تنظر للحزب بوصفه "الجهاز الأمني الثامن عشر"، وامتداداً لمن يسمون بـ"شبيحة" النظام.
ليس للحزب على المدى البعيد من حليف سوى الشعوب العربية...فلا "جغرافيا المذهب وديموغرافيته" يمكن أن توفر غطاءً آمناً واستراتيجياً للمقاومة، ولا أنظمة الفساد والاستبداد، يمكن أن تكون صديقاً وفياً لحركة آلت على نفسها، أن تقارع إسرائيل، وان تقارعها بجدارة وصلابة....ومن هذين المنظورين، ما كان على الحزب وأمينه العام، أن ينزلقا إلى مواقع التصفيق والتطبيل للنظام السوري، برغم كلفة الموقف وصعوبته.
من المؤسف حقاً، أن واحدة من أنبل ظاهرات المقاومة العربية وأشجعها، قد سقطت (أو أُسقطت) في اختبار "ربيع العرب"، وفقدت (أو أُفقدت) شعبيتها وصدقيتها، وباتت جزءا من "الثورة المضادة" في عيون كثيرين من الثوار...وأحسب أن على حزب الله، والسيد حسن نصر الله بالذات، أن يتوقفا مطوّلاً أمام هذه المشكلة/التحدي، لاستعادة البوصلة ووقف مسلسل الخسارة المتوالي فصولاً وحلقات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير