غزة المحاصرة تحرر أسرانا../ حنين زعبي

22.10.2011 11:30 AM

صفقة تبادل الأسرى هي إنجاز فلسطيني يتطلب تغييرا استراتيجيا

 (رسالة سياسية أخرى مررتها غزة البطلة أثناء حصارها، لقد قبلت غزة أن تفاوض على تحرير الأسرى وليس على فك حصارها)

 

لا أحد يشكك في كون الصفقة إنجازا فلسطينيا. لقد صرح أولمرت عام 2006 أنه لن يخضع لحماس ولن يطلق سراح أي أسير فلسطيني، ثم أسرت إسرائيل شعبا كاملا في غزة، من أجل تحرير شاليط دون مقابل، وفشلت. مقابل تحرير شاليط، قتلت إسرائيل ألف وأربعمائة فلسطيني، لكن شاليط لم يخرج من أسره، إلا عندما أراد الفلسطينيون ذلك، وليس عندما أرادت إسرائيل. لقد أراد الفلسطينيون ورضخت إسرائيل.

بعد أسر شاليط، ثبتت غزة سياسيا، وقاومت الحصار وصمدت، وطوال السنوات الطوال لم تتح غزة للمخابرات الإسرائيلية أي مجال للمناورة والعمل وتقصي مكان شاليط، أو ما يمكن أن يشير لمكانه.

لم تنجح إسرائيل في استرجاع شاليط دون مقابل، لكنها نجحت في جعل غزة بكاملها تدفع ثمن بقاء شاليط في الأسر، وقد قبل الشعب الفلسطيني أن يدفع الثمن، حصارا لا إنسانيا، مقابل تحرير أسرى، وليس مقابل تحرير غزة. وهي رسالة سياسية أخرى مررتها غزة البطلة أثناء حصارها، لقد قبلت غزة أن تفاوض على تحرير الأسرى وليس على فك حصارها. غزة المحاصرة تحرر أسرانا السياسيين.

 

والصفقة التي تجريها غزة وهي محاصرة تؤكد على مكانة ووزن قضية الأسرى في نضال الشعب الفلسطيني. لا نضال فلسطيني كامل، لا تكون فيه قضية الأسرى، كما القدس، كما اللاجئين، جزءا مركزيا في النضال وفي أهدافه. 

وهذا ما أكده شعبنا في كل مكان، لقد كان تضامن شبابنا في الداخل، تضامنا غير مسبوق مع إضراب الأسرى. لقد أكد إضراب الأسرى بأن جدران السجن لا تسجن إرادة الأسرى، كما كان للتضامن الشبابي غير المسبوق مع قضية الأسرى رسالة بأن جدران السجن لا تسجن الأسير عن شعبه. كما أعطى شبابنا في الداخل، في الناصرة وأم الفحم وحيفا، تجسيدا حيا على أن نضالات الشعب الفلسطيني لا تتجزأ، وإن تعددت سياقاتها وأشكالها، وأنه لا معنى من "أن نكون جزءا من الشعب الفلسطيني"، إن لم نكن جزءا من نضالاته وتضحياته.

بهذا الميزان، ميزان الإنجاز السياسي، فإن الصفقة منقوصة. لقد أكدت حماس أنها لن تتنازل لا عن أسرى الداخل، ولا عن الأسيرات، ولا عن جميع القيادات. وفوجئنا، بل صدمنا، عندما عرفنا أن خمسة أسرى فقط من الداخل تم تحريرهم من أصل ما يزيد عن 160 أسيرا، وأنه لم يتم تحرير أحمد سعدات ومروان البرغوثي، وأن أسيرات الداخل، ورود وخديجة ولينا بقين داخل جدران السجن. وقد كانت هنالك معلومات شبه مؤكدة على خروج هذه العناصر جميعها. 

 

من غير الواضح كيف قامت حماس بالتنازل عن معظم أسرى الداخل وأسيراته، وكيف ولماذا تنازلت عن قيادات الفصائل الأخرى، وما زالت حماس ملزمة بتقديم تفسيرات حول ذلك للشعب الفلسطيني.

مع ذلك، لا شك أن التضامن غير المسبوق مع قضية الأسرى في الضفة والداخل وغزة، وإنجاز الصفقة، يضعنا أمام مرحلة نضال جديدة تتعلق بمسؤولية السلطة الفلسطينية، وبالعلاقة بين الفصيلين الرئيسيين، فتح وحماس، وبمكانة قضية الأسرى على أجندتنا الوطنية. 

جرى وسيجري الحديث عن "التنافس" السياسي وصراع القوى بين فتح وحماس، وبأن حماس "سجلت" نقاطا مقابل فتح. وفي هذا الصدد، علينا أن نقول أن الشعب الفلسطيني يرفض تحويل النضال إلى لغة مكاسب سياسية لفصائل، ويرفض تحويل قضية الأسرى أو غيرها إلى مواقع لمهاترات سياسية. من يقدم إنجازات سياسية لشعبه، يكافئه شعبه، لكنه يطالبه في نفس الوقت بالمزيد من النضال والحرص على المصلحة الوطنية.

من جهة ثانية، يضع إنجاز الصفقة السلطة الفلسطينية أمام مهمة تاريخية تتعلق بالحفاظ على المنجزات الوطنية للصفقة، وحماية منجزات الصفقة تكون بوقف التنسيق الأمني الذي دونه سيكون من الأصعب على إسرائيل الاستمرار في الاعتقالات، فلا يمكن أن نحرر أسرانا باليد اليمنى، ونسلم غيرهم لإسرائيل في اليد اليسرى.

 

من جهة ثانية، مطلوب استثمار زخم التفاعل الشعبي مع قضية الأسرى على جانبي الخط الأخضر، وتحويل قضية الأسرى لقضية مركزية في نضالنا السياسي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير