السجن أو المنفى...بقلم: خيري منصور

20.10.2011 09:41 AM

ما من إنسان لا يشعر بالارتياح لدى سماعه أن أسيراً أطلق سراحه في هذا العالم، لأن الحرية هاجس وجودي وكوني، لكن لكل أسر حيثيات ولكل حرية دلالة .

انتهت صفقة الأسرى التي أبرمت بين حماس وتل أبيب إلى إطلاق سراح أكثر من ألف أسير، إضافة إلى سبع وعشرين أسيرة، لكن هذا الإطلاق بقي مقيداً ببرنامج زمني، إضافة إلى أن بعض من أطلق سراحهم أو من هم في الطريق إلى  هذا، حكم عليهم بالنفي . وهذا خيار من طراز جديد تقترحه سلطات الاحتلال على ضحاياها، فأن يكون النفي هو ثمن الحرية، تلك معادلة من اختراع استيطاني غير مسبوقة في العالم،  وعلى هذا النحو الذي تختلط فيه الابتسامة والدمعة، سبق أن حدث هذا في كنيسة المهد، تلك الدراما الفلسطينية التي دشنت خيار النفي مقابل الإطلاق من الأسر، فهل أصبح قدر الفلسطيني أن يراوح بين ثلاث محطات غالباً ما تتحول إلى خيارات: إما السجن وإما النفي وإما الاستشهاد؟

لقد فضل فلسطينيون على امتداد تاريخ القضية الاستشهاد على الإقصاء والنفي، لأنهم تجرعوا مرارات اللجوء والنزوح، وأدركوا أن مقابل كل واحد منهم ينفى، من وطنه ثمة مئات المهاجرين اليهود إلى فلسطين .

بالطبع يستطيع البعض  ممن فقدوا الرجاء بأي حل جذري يعيد الحق، أن يرددوا مع المتنبي ما قاله عن نكد الدنيا الذي يفرض على المرء أحياناً صداقة عدو ما من صداقته بُدّ .

لكن السجان ليس صديقاً ولن يكون، وكذلك العدو الذي يبقى محتفظاً بكيس السم في عنقه حتى لو اضطر إلى المصالحة أو الهدنة القسرية .

قدر الفلسطيني دائماً أن يبقى محذوفاً من ابتسامته، فهو يخرج من الزنزانة التي التهمت صباه وأبهى أيام عمره ليجد شاحنة بانتظاره هو وحقائبه ليرمى  في منفى آخر .

ونحن نعرف جيداً أننا لا نملك من فائض القوة أو حتى الرفاهية السياسية ما يتيح لنا أن نلوم أو نعاتب أو نجري مقارنات بين صفقات الأسرى على امتداد التاريخ، لأن نكد الدنيا قائم وكثيف، لكن صداقة من لابد من صداقته، خصوصاً إذا كان من الأعداء، هي شيء آخر تماماً، ليس من هذه الأرض ولا من تلك السماء .

 

عندما حوصر الراحل عرفات في مقره بالمقاطعة التي كانت بالفعل اسماً على مسمى، لأنها قوطعت بالفعل، قرّر أن يختار الاستشهاد إذا  كان بديله النفي، ولايزال العالم يتذكر أصداء الكلمة الحمراء التي يرددها عرفات ثلاثاً وهي شهيداً شهيداً شهيداً، ليس فقط لأن النفي والاقتلاع تحول إلى فوبيا فلسطينية بامتياز، بل لأن المنفيّ أدرك ولو كان هذا الإدراك متأخراً وبأثر رجعي، أن غاية المشروع الصهيوني الاستيطاني الأبعد والأهم هي تجريف البلاد والعباد معاً، وإفراغ فلسطين من حمولتها البشرية كي تصبح مجالاً حيوياً للاستيطان، ويتحول الاحتلال بعد ذلك إلى حلول الغزاة مكان أهل البلاد .

ما نخشاه هو أن تتحول ثنائية السجن أو المنفى إلى استراتيجية  جديدة، لكن ما يبدّد هذه الخشية هو إصرار الأسير على الحرية والبقاء على أرضه معاً .

إنها ابتسامة غارقة في الدمع .

                                                                  جريدة الخليج/ الامارات 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير