الاحتجاج، فليتعلموا منا...بقلم: سيفر بلوتسكر/ يدعوت

17.10.2011 04:32 PM

(المضمون: في سبت واحد اخرج الاحتجاج الاجتماعي عندنا نحو 400 الف اسرائيلي في مظاهرات هادئة. الاحتجاج الامريكي "لنحتل وول ستريت" لم ينجح في أن يخرج الى المظاهرات اكثر من عُشر هذه الكمية. يجدر به أن يتعلم من اسرائيل كيف يجري الاحتجاج وبالاساس على ماذا الاحتجاج).

العناوين الرئيسة والصور في وسائل الاعلام ما كان يمكن تفويتها، فقد صدرت أول أمس على صفحات كاملة. "كل العالم"، هكذا جاء في الصحافة المكتوبة والالكترونية، بما في ذلك الاسرائيلية، "خرج يوم السبت للتظاهر ضد مظالم الرأسمالية الوحشية". حركة الاحتجاج الامريكية "لنحتل وول ستريت"، قيل ايضا، اجتاحت العالم واجترفت وراءها "الجماهير" الذين اتحدوا في ندائهم للعدالة الاجتماعية. الثورة على الابواب.

نعم؟ حقا لا. ها هي أعداد المشاركين القصوى، حسب تقارير وكالات الانباء في المظاهرات في المدن الكبرى. في لندن تظاهر نحو 2.000 شخص، في باريس نحو 300، في طوكيو نحو 150، في ستوكهولم نحو 500، في برلين نحو 3.000، في واشنطن نحو 400، في تورينتو نحو 1.000، في سيئول نحو 600، في منيلا نحو 100 وفي نيويورك احصي في المظاهر في ميدان تايمز 2.500 شخص. في لوس انجلوس وفي سان فرنسيسكو، المدينتان ذات التوجه اليساري الواضح، تظاهر يوم السبت نحو 300 حتى 400 شخص في كل واحدة منهما. عدد الواقفين في الطابور لشراء الآيفون الجديد كان ضعفين أو ثلاثة اضعاف عدد المتظاهرين ضد الاغنياء.

مظاهرات أكثر اهمية جرت فقط في روما وبرشلونا. في روما سيطر على المظاهرة فوضويون عنيفون، وفي برشلونا (وفي مدريد) المظاهرات تجري على التواصل منذ بضعة اشهر، على خلفية أزمة الديون الاسبانية.

الخلاصة بالتالي محرجة. عدد المشاركين في مظاهرات الاحتجاج "الجماهيرية" و "العالمية" يوم السبت كان هامشيا، مجهريا. في ارجاء العالم الغربي (باستثناء ايطاليا واسبانيا) تظاهر في ذات اليوم اقل مما تظاهر في أرجاء سوريا. في قسم كبير من الاحتشادات – احتشادات وليس مظاهرات – احصي عدد مشابه للمحتجين والصحفيين. احيانا صحفيين أكثر.

فشل حركة الاحتجاج الامريكية – الاوروبية يبرز سواء على خلفية الوضع الاقتصادي الرهيب في الولايات المتحدة وفي اوروبا – بطالة ضعف ما هي في اسرائيل، تقليصات لا رحمة فيها في الميزانيات، افلاسات حكومات ودول – أم حيال التجند الكثيف للرأي العام الليبرالي من أجل الاحتجاج. قادة الاتحادات المهنية، قادة الجمعيات والمنظمات الاجتماعية، الفنانين، الشخصيات العامة، المثقفين، الممثلين السينمائيين، كبار رجالات الاعلام، كل العالم وزوجته اعربوا عن تأييدهم الحماسي للمظاهرات. عبثا. فالمتظاهرون لم يأتوا.

ولماذا لم يأتوا؟ ها هو الجواب: مع أنه في استطلاعات الرأي العام أكثر من الثلث من مواطني الغرب يعربون عن عطفهم على الاحتجاج، فانهم يجدون صعوبة في اعطاء تفاصيل عما يريد الاحتجاج تحقيقه باستثناء "خوزقة البناديق من المائية العليا". الرسائل التي تخرج عنه مشوشة وغير حقيقية، وتتراوح بين الحسد والغضب. قدامى اليسار الثوري ارتبطوا بالتيار الاجتماعي – الشعبي لليمين وخلقوا خليطا عديم الطعم بل واحيانا خطير، وفي الهوامش حتى لا سامي. يتبين، بان الطبقة الوسطى الغربية، التي تضررت بشدة من الازمة، أكثر حذرا وحكمة وغير مستعدة للانجرار الى مظاهر احتجاج ليست سوى احتفالات لشجب الرأسمالية. إذ حقا ما الذي أجداهم من "احتلال" وول ستريت ومدينة لندن ومباني ادارة البنوك. سينفسون للحظة عن غضبهم ويعودون الى الازمة.

وهنا تبرز انجازات حركة الاحتجاج الاجتماعي الاسرائيلية. بعد بضعة اسابيع من الحرج فان "احتجاجنا" تبنى مبدأ هاما: لا للتطرف والتزمت، لا لاعواد المشانق للاغنياء، لا لاحتلال البورصة والبنوك ونعم للمطالب المحددة والمركزة، الموجهة اساسا تجاه الحكومة. الاحتجاج الاسرائيلي طلب – وتلقى! مساعدة من الدولة للازواج الشابة مع أطفال، تخفيض اسعار سلة المنتجات الغذائية، تغيير متدرج لتركيبة الضرائب والمشاركة العامة في تحديد السياسة الاجتماعية. هذا نجاح غير مسبوق، مدوٍ ومثير للانفعال.

في سبت واحد اخرج الاحتجاج الاجتماعي عندنا نحو 400 الف اسرائيلي في مظاهرات هادئة من أجل العدالة الاجتماعية، وللدقة – من أجل خمس – ست مطالب محددة. لا ثورية ولا في السماء. الاحتجاج الامريكي "لنحتل وول ستريت" بالمقابل، لم ينجح في أن يخرج الى المظاهرات اكثر من عُشر هذه الكمية. يجدر به أن يتعلم من اسرائيل كيف يجري الاحتجاج وبالاساس على ماذا الاحتجاج.

تصميم وتطوير