الحفاظ على شاليط اسيرا مدة طويلة.. نجاح في امتحان الامن..د. حسن عبدالله

15.10.2011 02:19 PM

النجاح في اتفاق تبادل الاسرى يقاس بنسبيته، فلا نجاح مطلق هنا، لاننا نتحدث عن طرفين، وكل طرف يحاول استثمار اوراقه ولعبها لكي يرفع من سقف مكاسبه ، بمعنى حين تقول حركة حماس انها نجحت في هذه العملية  فهي محقة، وحينما تتحدث حكومة نتينياهو عن نجاح، فان ذلك يستند الى منطلقات ومقاييس تتعلق بحساسية الاسرائيليين لاسر جنودهم و استعجال عودتهم حتى لو كان الثمن  باهظا .

و عندما نضع الاتفاق في الميزان، فان هناك ايجابيات كثيرة، منها تحرير هذا العدد من الاسرى، بخاصة ذوي فترات الحكم الطويلة، وتحرير الاسيرات والاطفال كافة. اضافة الى انقاذ عشرات المرضى الذين  يشكل استمرارهم في الاسرخطرا على حياتهم.

وقد اكد  اتفاق التبادل ما ثبتته عملية تبادل الاسرى في العام 1985، حول اسرى القدس والداخل. و في المقابل اعتراه بعض الثغرات، حيث كان المفروض الاصرار على  تحرير بعض القادة لاعتبارات سياسية و معنوية، ولان وجودهم في الخارج له ضرورته القيادية . اما موضوع الابعاد بصرف النظر عن محدوديته، فهي عملية محفوفة بالمخاطر، و من لديه شك في هذا ،  فليتذكر تجربة مبعدي كنيسة المهد الذين ما زالوا عالقين في اوضاع معيشية وانسانية صعبة للغاية.

لكن لا مناص من الاعتراف ان لكل الاطراف التي شاركت في العملية حساباتها.  فحماس حاولت التقاط مرحلة سياسية مستفيدة من متغيرات في مصر، ومستفيدة ايضا من الازمات المتلاحقة التي تعانيها حكومة نيتنياهو، ومنها الاقتصادية ، وانسداد الافق السياسي و العزلة الدولية. كما ان هذه الحركة وبعد خطاب الرئيس عباس في الامم المتحدة و تداعياته الايجابية على السلطة والمنظمة وفتح، ارادت ان تؤكد اذا كان للآخرين مفاتيحهم وآلياتهم للتفاعل والتاثير، فان لها الاخرى مفاتيحها وآلياتها الخاصة. وهذا جائز في السياسة والتكتيك والتنافس الحزبي. فالساحة مفتوحة للعمل واختبار الذات والامكانات، خصوصا عندما تتركز المباراة بين الاطراف في افادة القضية والشعب الفلسطيني. ونيتنياهو بدوره قد التقط اللحظة السياسية للخروج ولو مؤقتا من ازماته والتحرر من الضغوط الشعبية والمؤسساتية والاعلامية بسبب استمرار شاليط في الاسر. وبالطبع فان مصر بقيادتها الجديدة رغبت هي الاخرى في تاكيد حضورها ووزنها وتاثيرها وقدرتها على الاضطلاع بدورالوسيط،  رغم التحديات  الداخلية التي تواجهها   .

و الحقيقة ان كثيرا من الكلام سيقال في هذا الاتفاق بين مؤيد متحمس او متحفظ.  بيد ان السؤال الكبيرالذي  يطرح نفسه: من  هو اللاعب الرئيس الذي يقف وراء الوصول الى هذا الاتفاق؟

انا اعتقد ان كلمة السر في النجاح الذي تحقق، بصرف النظرعن نسبيته، تتمثل في الحس الامني اللافت، لاؤلئك الذين استطاعوا الحفاظ على شاليط أسيرا، في ظل تعقيدات امنية في قطاع غزة، مردها ضيق المساحة الجغرافية، والقدرة الاستخباراتية الاسرائيلية المسنودة بخبرات كبيرة ومتشعبة وتقنيات متطورة، حيث اضطر رئيس المخابرات الاسرائيلية اخيرا ان يعترف ناصحا نيتنياهو، بان لا مجال لاعادة شاليط الا بمبادلته باسرى فلسطينيين، نظرا للاخفاق في الوصول اليه بطرق اخرى.

 من هنا فان القيمة الرئيسة للنجاح هي امنية، ودونها لما وصلنا الى نتيجة. ونشدد على امنية في هذا السياق، لانها المرة الاولى التي تبادل اسرائيل بجندي  تم اسره  في الاراضي الفلسطينية، لا سيما وان عمليات التبادل السابقة ارتبطت باسر جنود او احتجاز جثث على اراض خارجية. لذا   فان الاسرائيلين على اختلاف التخصصات و المستويا ت  ، وتحديدا الامنية والسياسية سيصرفون وقتا طويلا على دراسة هذه التجربة و تمحيصها في محاولة لاستخلاص العبر منها، بعد ان شكلت امتحانا عسيرا، لم يتسن لهم اجتيازه بكل الوسائل الاستخباراتية. اضافة الى العدوان الواسع  الذي استهدف القطاع ولم يكن شاليط خارج اجندته .

واخيرا فانني ادعو الكتاب والسياسيين الى استخدام تسمية اتفاق او عملية تبادل بدل صفقة. لان الصفقة ترتبط بالتجارة والكسب  والخسارة والحسابات الشخصية. كما ان الصفقات السياسية غالبا ما تقوم على مكائد وتكتيكات ومصالح ضيقة. اما فيما يتعلق بالاسرى فنحن نتحدث عن اناس اعتقلوا من اجل قضية عادلة ولهم مكانتهم التنظيمية والسياسية والاخلاقية في مجتمعهم، و بالتالي فان تسمية صفقة بصرف النظر عن الخلفيات و المجازات و الاستعارات اللغوية ، من شانها ان تضع الامور في سياقات مختلفة تماما .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير