إستحقاق الأسرى..بقلم: عبد الناصر أبو عزيز

09.10.2011 05:39 PM

لم يُقدِم أسرانا الأبطال على إتخاذ قرارٍ بالإضراب المفتوح عن الطعام صُدفةً، أو رغبةً منهم بالإضراب من أجل الإضراب، أو كما يدعي الإسرائيليون في كل مرة بأن الإضراب سياسي، فإتخاذ هذه الخطوة جاء بعد أن بلغ السيل الزُبى، بعد أن وصلت إجراءاتُ القمع إلى ذروتها.

لقد أقدمت حكومة أولمرت في سنة 2009 على تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير العدل انذاك "دانييل فريدمان"، والتي كانت مهمتها إعادة النظر بالإمتيازات الممنوحة للأسرى حسب زعمهم، وقد صدرَ عن هذه اللجنة سلسلةٌ من القرارات والتوصيات، إعُتبرت في حينها بمثابة حرب شاملة على الأسرى، وفي ذات السياق جاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتانياهو" ليس استكمالاً ميكانيكياً لسلسلة الاجراءات القمعية الصادرة عن اللجنة الوزارية بقدر ما أنها تحمل معاني أخطر كونها تصدر عن رأس الهرم في إسرائيل، فما أن أعطى نتانياهو الضوء الأخضر لمصلحة السجون بمنحها الصلاحيات الكاملة لاستخدام وممارسة شتى انواع العقوبات والتضييق، حتى باشرت مصلحة السجون بتطبيق ذلك فوراً على الأسرى في كافة السجون من خلال التفتيشات المتتالية وإقتحامات لغرف الأسرى وقمع الاحتجاجات بالعصي ورش الغاز، ومنع العديد من قنوات التلفزة والتضييق على زيارات الأهل، والاعتداء المتكرر على الأسرى اثناء التنقل بين السجون، وتقليل كمية الطعام، إلى أن وصلت الذروة عبر إعتماد سياسة العزل كثابت من ثوابت ممارسات سلطة السجون بهدف القضاء المعنوي على الأسير، وجوهر هذا التصعيد يهدف إلى شطب تاريخ وتراث ومنجزات الحركة الأسيرة، التي أنتزعوها تراكمياً عبر عشرات السنين من الكفاح والصمود والتضحيات والمواجهة المستمرة.

إن ما يجري في السجون اليوم هو صراعُ إرادات بإمتياز، فإرادة السجان الذي يمتلك كل أدوات القمع، يريد طمس الهوية والانتماء عبر شطب انجازات الحركة الأسيرة المعمدة بدماء وعرق وصبر الأسرى، تقف وجهاً لوجه أمام إرادة الأسرى المسلحين بتاريخ وتراث مليء بالدروس والعبر، فعشرات السنين من الأسر مليئةٌ بالآلام والأمال، مليئة بالتحديات والإصرار، واجه بها الأسرى رطوبة الزنازين وسلاسل وبوابات الحديد، واجه بها كل أصناف العقوبات والعذاب والحرمان، واجه بها ظلام الليل والأسر ورتابة الأيام متسلحاً بأمل الحياة، وحتمية الإنتصار، واثقاً بأن أشدُ ساعات الليل ظلمةً هي قبل الفجرِ بقليل، رافعاً شعاره الخالد؛ نموت واقفين ولن نركع، ونعم لآلام الجوع وألف لا لآلام الركوع.

اليوم يرسم أسرانا الأبطال لوحةً مشرقةً بالنضال الوطني المستمر عبر جوعهم وأمعائهم الخاوية، وإصرارهم وتحديهم لوحةٌ عنوانها صون منجزات الحركة الأسيرة وكسر سياسة العزل الإنفرادي، هذه العقوبة التي تعتبر من أخطر وأقسى ما يواجهه الأسرى.

ولمن لم يكتوي بنار الأسر ولا نتمنى له أن يكتوي بنارها، ولمن يرغب في معرفة سياسة العزل، نشير إلى أن هذه السياسة تعني أن يعيش الأسير وحيداً بين أربعة جدران مع رطوبة الزنازين وسلاسل الحديد وعفن البطانيات وصمتٍ دائمٍ لا يعكرُ صفوه سوى طرقات أقدام شرطي الحراسة، فالأكلُ والشربُ والماءُ والهواءُ وقضاء الحاجة، كل ذلك يخضع لحسابٍ دقيق، لا راديو ولا تلفزيون ولا جريدة ولا بشر يتبادل معه صباح ولا مساء، ولا زيارة لقريب أو بعيد، فهو عزلٌ عن كل مكونات الحياةِ والإنسانية.

ولتوضيح معنى الإضراب عن الطعام، فيكفي أن يمتنع أيٌ منا يومين أو أكثر عن تناول الطعام ليشعر بحجم الألم والمعاناة بحجم الصبر والتحدي لدى أحبتنا في الحركة الأسيرة، وما بالكم إذا امتد الإمتناع عن الاكل أسابيع، أفلا يقتحمُ هذا الواقع ضمير كل واحدٍ من أبناء شعبنا وضمير كل أحرار العالم، أفلا يدفع كل واحد فينا لأن يقف مع هؤلاء الأبطال، لأن يقول كلمته قبل فوات الأوان ... أوليس مطلوبٌ منا هبةَ رجلٍ واحد لنصرتهم في معركة العزة والشرف.

في هذه الأيام يتداعي ممثلوا الفصائل ووزارة الأسرى ولجان وأهالي وأصدقاء الأسرى والأسرى المحررين، وكل من له علاقة في موضوع الأسر، للاجتماعات المتواصلة من أجل نصرة الأسرى والتضامن معهم، من اجل مشاركتهم في أشرف وانبل المعارك الانسانية، وفي نهاية إجتماع أية مؤسسة أو لجنة تنسيق ما بين أكثر من جهة، نكون امام بيان تضامني مصحوباً برسالة توضيحات لجملة من الفعاليات لليوم الأول والثاني والثالث ... الخ، ودعوة للإعتصام أمام الصليب الأحمر، نرفعُ من خلالها المذكرات الاحتجاجية، بعد ذلك ربما نكون أمام مسيرة يتخللها رفع الأعلام الفلسطينية والهتافات الموحدة، اضافة الى مجموعة من الكلمات السياسية التضامنية، وذلك ضمن دائرة من الروتين التضامني، لا نقلل من أهميتها وضرورتها، ولكن هل يكفي ذلك؟ ... هل هذا هو المطلوب؟ ... هل بذلك نستطيع أن نفي هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بكل شيء من أجل فلسطين!، هذه السلسلة من الأسئلة الضميرية تقودنا إلى السؤال الكبير: نتضامن ونشارك بالاعتصام ونضيء الشموع ونهتف ونرفع الاعلام ونكتب البيانات والعرائض ... لأجل من؟ هل هذه الوقفة مع أسرى ينتمون إلى عالم آخر، أوليس من هم بالأسر ابنائكم، أخوانكم، أخواتكم، بناتكم ... أهلكم، فهل تكفي دائرة الروتين التضامني؟، ألم يحن الأوان أن نقف مع أنفسنا ونسأل بعضنا البعض أسئلة الضمير، ونجيب معاً وبصوات واحد؛ بأننا قادرون ونستطيع الكثير.

وقبل وضوح الإجابة عما يمكن أن نقدمه لأسرانا في معركة الدفاع عن الهوية والكرامة، مفيدٌ الإطلالة السريعة على بعضٍ من دور الحركة الأسيرة في النضال الوطني، بدءاً من شرارة الضوء التي كاوا يشعلونها في كل مرة تعرضت بها ثورتنا وشعبنا وهويتنا إلى محاولات الطمس والاغتيال من قبل أعداءنا، كان الأسرى يواجهون ويتصدون لتلك المؤامرات بجوعهم ... صارخين في وجه أعداء الحرية، بأننا هنا باقون، مستمرون بالكفاح حتى تحقيق كل ثوابت شعبنا، ولم تكن وثيقة الأسرى (وثيقة الوفاق الوطني) التي صدرت عن الحركة الأسيرة، تلك وثيقة الوحدة المضيئة  في زمن الإنقسام، سوى تأكيدٌ على تفاعلهم الحي والخلاق مع كل المنعطفات التي تمر بها قضيتنا الوطنية.

وبعد ... أفليس لهم حقٌ على أهلهم، بتطوير قواعد التضامن معهم، فعلى الرغم من أهمية التأكيد من قبل القيادة الفلسطينية ومن قبل الرئيس أبو مازن على إعتبار الأسرى ثابت من الثوابت الوطنية حيث لا معنى لأي سلام أو تقرير مصير لشعبنا، وأسيرٌ واحدً في السجون، ومع ذلك أعتقد ان الحد الأدنى المطلوب من 11 مليون فلسطيني بيومٍ موحد من الجوع، وهيئة أركان من أعلى رأس الهرم الفلسطيني تقود وتسهر على مصالحهم وآلامهم وجوعهم، نريدُ أن نجوع مثلهم حتى حريتهم.

عبد الناصر أبو عزيز

القائم بأعمال رئيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين

عضو المجلس المركزي الفلسطيني

منظمة التحرير الفلسطينية

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير