توقيت محسوب ومغزى سياسي: استقالة رونين بار كأداة تحد لنتتياهو

30.04.2025 01:33 PM

 إسماعيل مسلماني : استقالة رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، رونين بار، التي ستدخل حيز التنفيذ في 15 يونيو 2025، تمثل محطة فارقة في الصراع بين المؤسسة الأمنية ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

أعلن بار استقالته بعد أزمة ثقة حادة مع نتنياهو، حيث اتهم رئيس الوزراء بمحاولة استغلال الشاباك لأغراض سياسية وشخصية، بما في ذلك التجسس على المتظاهرين والتدخل في محاكمته الجارية بتهم فساد. كما أشار إلى أن نتنياهو طلب منه الولاء الشخصي وتجاهل قرارات المحكمة العليا، وهو ما رفضه بار. 
بار أكد أن قراره ينبع من مسؤوليته الوطنية، مشددًا على ضرورة الحفاظ على استقلالية الشاباك وضمان عدم تسييسه. كما دعا إلى تشكيل لجنة تحقيق شاملة حول إخفاقات 7 أكتوبر 2023، محملًا السياسات الحكومية جزءًا كبيرًا من المسؤولية. 
بعد محاولة نتنياهو إقالته، قدم بار إفادة للمحكمة العليا، كاشفًا عن ضغوط سياسية مورست عليه، وطلب منه تجاهل قرارات المحكمة لصالح تعليمات رئيس الوزراء. المحكمة العليا جمدت قرار الإقالة مؤقتًا، مما أتاح لبار الوقت لترتيب استقالته بشكل منظم. 
والتوقيت فعلاً ليس عشوائي. رونين بار اختار هذا التوقيت للاستقالة بعناية لعدة أسباب استراتيجية:
1. قبيل انتهاء عام على 7 أكتوبر:
هذا التاريخ يمثل وصمة أمنية على المؤسسة العسكرية والأمنية وبتقديم استقالته قبل الذكرى السنوية، أراد أن يُظهر أنه يتحمل المسؤولية، وأنه ليس جزءًا من التعتيم أو التهرب من المحاسبة وبهذا التوقيت، يحمي نفسه من أن يُقال لاحقًا ضمن لجنة تحقيق أو في لحظة ضغط سياسي.
2. المحكمة العليا كانت تنظر في قضية إقالته:
نتنياهو حاول التخلص منه من خلال "إقالة ناعمة".بار قلب الطاولة: استبق قرار المحكمة وأعلن استقالته بشروطه، وليس بشروط نتنياهو وبهذا يحافظ على صورته ويُربك خصومه سياسيًا.
3. قبل تعيينات أمنية كبرى:
من المتوقع أن يغير نتنياهو رئيس الموساد لاحقًا فاستقالة بار تُحرج الحكومة لأنها تضعها في مواجهة مع الرأي العام الذي يشكّك الآن في كل هذه التغييرات هو كأنه يقول: "أنا خرجت باختياري، البقية يُقالون!"
4. تحصين سمعته وتاريخه:
أراد أن يُكتب في التاريخ بأنه رفض الانصياع لنتنياهو فالتوقيت يتيح له مغادرة المنصب وهو في موقف أخلاقي وقانوني قوي، خاصة إذا فُتحت ملفات ضد نتنياهو لاحقًا  , بار اختار التوقيت بدقة ليبدو كمن يُنقذ كرامة المؤسسة، لا كمن يُطرد منها. توقيته يحوّل خروجه من هزيمة إلى موقف.

استقالة بار تعكس مزيد من الانقسامات :
مع اعلان الاستقالة فان  التوترات الداخلية في إسرائيل تتوسع و صحيح أن رونين بار نفسه ليس طرفًا دينيًا أو علمانيًا بشكل مباشر، لكن استقالته تتفاعل مع الصراع بين المعسكرين وفئات المجتمع :
1. الشاباك كرمز لـ"الدولة العميقة" العلمانية
جهاز الشاباك يُنظر إليه تاريخيًا كمؤسسة مهنية، علمانية، غير خاضعة للأجندات الدينية أو السياسية.
التيار العلماني، خصوصًا من النخبة الأمنية والأكاديمية، يرى في بار رمزًا للاستقلالية، والنخبوية الإسرائيلية الكلاسيكية (ما يُعرف بـ"أبناء النخبة الأشكنازية"). لذلك عندما يُجبر رئيس الشاباك على الاستقالة، يشعر العلمانيون أن "دولتهم" تُسحب منهم تدريجيًا وهذا يغذي شعورًا واسعًا بأن الدولة تُحوّل من جمهورية أمنية علمانية إلى دولة دينية موجهة سياسيًا.
2. التيار الديني القومي واليميني المتدين (الحريديم)
هذا المعسكر غالبًا يدعم نتنياهو بشدة ويرى أن مؤسسات الدولة (الشاباك، القضاء، الإعلام) معاقل للنخبة القديمة التي تهمّشهم
يرى كثير من المتدينين أن استقالة بار انتصار على تلك النخبة التي تعيق "إصلاح الدولة" وجعلها أكثر يهودية وأقل "علمانية أوروبية , لذلك هم لا يأسفون على مغادرة بار، بل يرحبون بتعيين شخصية أكثر توافقًا مع رؤية "الدولة اليهودية الحقيقية".
يستخدمون الحدث لتبرير المزيد من الضغط لتغيير النظام القضائي والمؤسسات الأمنية.
3. التصدع الاجتماعي يتسع
استقالة بار تزيد الشرخ بين "إسرائيل الأولى" (العلمانية، الليبرالية، الأمنية) و"إسرائيل الثانية" (الدينية، الشرقية، المحافظة).
هذا يُعزز احتمال انفجار اجتماعي لاحق، خاصة إذا شعرت الأغلبية العلمانية أن الجيش والشاباك لم يعودوا محصنين من التديّن والتسييس.
رغم أن بار نفسه ليس رمزًا دينيًا أو علمانيًا، إلا أن الصراع حوله يعكس الانقسام الأعمق في هوية إسرائيل: هل هي دولة يهودية قومية محافظة، أم دولة علمانية ديمقراطية ليبرالية؟
هل خسر أمام نتنياهو؟ يمكن القول إن نتنياهو "ربح المعركة" على المدى القصير:
أزاح خصمًا قويًا داخل المؤسسة الأمنية كان يرفض الانصياع له,جنّب نفسه مواجهة مباشرة مع المحكمة عبر قبول استقالة بار بدلاً من التورط أكثر في الصراع القضائي وحافظ على سلطته وأرسل رسالة لباقي رؤساء الأجهزة الأمنية: من يعارضه يخرج.
لكن من زاوية أخرى، الخسارة ليست بسيطة:
كُشف أمام الرأي العام المحلي والدولي أنه حاول تسييس جهاز حساس مثل الشاباك,أثارت الاستقالة أزمة ثقة داخل الأجهزة الأمنية وبينها وبين الحكومة, عززت المعارضة التي ترى أن نتنياهو يضع مصالحه السياسية فوق أمن الدولة, فسياسيًا كسب الجولة، لكن بثمن استراتيجي قد يتراكم عليه لاحقًا.
على الرغم من استقالته، لم يُعتبر بار خاسرًا بالكامل. فقد نجح في كشف محاولات تسييس الجهاز الأمني، وحظي بدعم من المعارضة وأوساط واسعة في المجتمع الإسرائيلي. استقالته جاءت كخطوة محسوبة للحفاظ على كرامته المهنية واستقلالية الشاباك، خاصة بعد أن رفض الانصياع لضغوط سياسية.
استقالة رونين بار تسلط الضوء على التوترات العميقة بين القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل، وتثير تساؤلات حول استقلالية المؤسسات الأمنية في ظل الضغوط السياسية المتزايدة فالشرخ يتوسع والاستقرار بحاجة الى سنوات كثيرة .
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير