رفع الحصانة عن الاونروا: بابٌ واسعٌ لقرصنة أموالها وإنهاء مهماتها

كتب: سامي مشعشع
[الدعاوي القضائية، والتي رفعتها عائلات قتلى إسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية قتلوا في هجوم السابع من أكتوبر متهمين فيها الاونروا بتوفير الغطاء عن موظفين لها شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر وان الاونروا هي واجهة لغسل أموال لجهات معادية لدولة الكيان والموقف المساند لهكذا ادعاء من إدارة الرئيس ترامب، هو تطور مثير في مسار الجهد المهول للقضاء على الاونروا وولايتها والالتفاف على حقوق اللاجئين الفلسطينين وحق عودتهم.
من المهم توضيح معلومة مغلوطة يتم تداولها فلسطينيا بان المحكمة الجزئية الفيدرالية في نيويورك هي من قررت بان الاونروا لا تتمتع بالحصانة الدبلوماسية وأنها غير محمية من الدعاوي القضائية المرفوعة ضدها من جهات وأفراد بحجة ان بعضا من موظفيها لهم ضلع في عمليات "إرهابية" وان الوكالة شاركت في غسيل أموال بقيمة مليار دولار لتمويل منظمات "ارهابية" على حساب توفير هذه الأموال لتوفير مساعدات إنسانية لمحتاجيها في قطاع غزة. الصحيح (وهو الأخطر) ان هذا هو موقف وزارة العدل الأمريكية ذاتها والتي تقدمت إلى المحكمة الفيدرالية بمذكرة تتضمن هذه الاتهامات الجسيمة طالبة من المحكمة البت فيها وحسمها لصالح موقف الحكومة ووزارة العدل.
مذكرة وزارة العدل الامريكية المقدمة للمحكمة تطور خطير في مسار انهاء عمل الاونروا التدريجي والمتصاعد والهادف لتجريد الاونروا من حصانتها وسلخها عن المؤسسة الام وأنها وكالة أنشئت بقرار اممي وبتصويت الدول الأعضاء في الجمعية العمومية.
هذه المذكرة تؤكد جهد ونية الإدارة الامريكية بالتعدى على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة المتعلق بحصانات وامتيازات وحماية المنظمات الدولية وحصانات الأمم المتحدة ذاتها. المذكرة برفع الحصانة عن الاونروا وعدم اعتبارها جزءاً من الأمم المتحدة تمهيدا لفتح دعاوي تشهيرية ضدها لإضعاف دعم الدول للوكالة وتجويعها ماليا هو جهد سياسي بامتياز وبتغليف قانوني هش.
هذه المحاولات الخطيرة تتقاطع مع خطط إسرائيل الناجعة بتفكيك الاونروا والتي نجحت حتى اللحظة بحظر عمل وانشطة الاونروا في القدس الشرقية المحتلة وتقويض وتقييد عملها وولايتها في مناطق عملياتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي ضرب، وسيضرب، خدمات الأونروا التعليمية والصحية والإغاثية لملايين اللاجئين.
ولعله من المفيد التذكير هنا ان لجنة التحقيق والمسماة "مجموعة المراجعة الخارجية" التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش في 5 شباط 2024، برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا لتقييم حيادية الأونروا والرد على الاتهامات الإسرائيلية التي استهدفت عددا من موظفيها باتهامهم بالمشاركة في احداث السابع من أكتوبر 2023 ، اثبت عدم صحة الادعاءات الإسرائيلية وهو استنتاج ارتكز على مراجعة معمقة واستنتاجا رفضته دولة الكيان وإدارة ترامب الحالية واستمرت في توجيه ذات الاتهامات المغرضة ضد الاونروا وعامليها وتوظيف هذه الاتهامات سياسيا بهدف القضاء على حق العودة ومطالب اللاجئين الفلسطينين السياسية والإنسانية.
الرد الرسمي للأمم المتحدة الرافض للمذكرة والمؤكد على ان الاونروا هي مؤسسة تابعة لها وتتمتع بالحماية بموجب اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام ١٩٤٩ هو رد اولي جيد، ولكن الضعف المتراكم والذي أبداه الأمين العام والأمم المتحدة في مواجهة الهجمة المنسقة على الاونروا ووجودها وخدماتها ودورها في غزة والضفة والقدس وغياب أي خطط عملية لمواجهته (واحيانا التكيف مع الهجمة ومحاولة إدارة الازمة ) ادي إلى تراكم النجاحات الإسرائيلية الموجهة ضد الاونروا. والخشية هنا ان هذا الضعف سيساهم في قبول المحكمة الفيدرالية حجة وزارة العدل واعتماد قرار ان الوكالة لا تتمتع بالحصانة ويجوز مقاضاتها.
ان قرار الأمين العام للأمم المتحدة قبل عدة أيام بتشكيل فريق "التقييم الاستراتيجي للاونروا" لمراجعة "اثر الاونروا وتنفيذ ولايتها في ظل القيود السياسة والمالية والأمنية وغيرها" وتكليفه للفريق بتحديد "خيارات العمل المتاحة … والنظر في التفويضات العامة للأمم المتحدة" هو جزء من ضعف وتكيف المنظمة الأممية مع الهجمة ضد الاونروا. وهنا الخطورة. ولعل الاونروا هي أكثر منظمة تابعة للأمم المتحدة يتم تشكيل لجان تحقيق وفرق متابعة ودراسة بحقها تعبيرا اولاً عن الخوف الإسرائيلي من وجودها ولما تمثله وتأكيدا على محاولات للجمها واضعافها لا بل وإنهائها.
يبقى القول ان غياب أي جهد او خطة او برنامج عمل فلسطيني رسمي وشعبي لحماية الاونروا وحقوق اللاجئين من الضياع والاكتفاء بالتشخيص والمتابعة السلبية للتطورات المتلاحقة والشجب والتعبير عن القلق سيضاعف من أزمة الاونروا الوجودية ويسهل عملية القضاء عليها ويضرب مسمارا إضافيا قاتلا في نعش حق العودة.]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء