حين يصبح الصوت الحر عدواً

28.04.2025 03:02 PM

 كتب اسماعيل الريماوي: لم يقتصر قمع سلطة أوسلو على المقاومين وذويهم وجيرانهم وأصدقائهم وزملاء دراستهم، بل امتدت يدها الغليظة لتشمل الكلمة الحرة، وناقل الخبر، وكاتب التقرير الصحفي، والمراسل، وعدسة الكاميرا. وقد كان الأداة في ذلك "الفلسطينيون الجدد"، المصنوعون على عين الجنرال الأمريكي كيث دايتون، بمباركة صهيونية كاملة.

لم تبدأ سياسة "تكميم الأفواه" منتصف عام 2007، لكنها اتخذت من الحسم العسكري في قطاع غزة ذريعة لإعلان المخفي من مشروعها، ذاك المشروع الذي كانت تواريه خلف مصطلحات خادعة وممارسات مخاتلة، حفاظًا على ما تبقى من ماء وجهها. وما ملاحقة الصحفيين، ومصادرة الكلمة الحرة، وإغلاق المكاتب الصحفية، إلا وجهاً من وجوه هذه السياسة الاستراتيجية القديمة الجديدة.
لماذا يخشون الإعلام؟
لأنه الحقيقة، أو بالأحرى لأنه من المفترض أن ينقل الحقيقة التي أعلنوا عليها الحرب، وعملوا ليل نهار على تزييفها.
ولماذا يخشون الحقيقة؟
لأنها المرآة الصافية التي تعكس صورتهم دون مساحيق تجميل، وتظهر مشروعهم في أوضح صوره.
ولماذا يخشون صورة مشروعهم؟
لأنهم رسموها بألوان الفناء، وأقاموا معادلة جديدة ناصبوا فيها شعبهم العداء، وتحالفوا مع العدو الذي احتل الأرض وشرّد الشعب وقتل ودنّس المقدسات.
ولم تكتفِ السلطة تكميم الأفواه بذلك، بل لاحقت الإعلاميين أصحاب الصوت الحر، واختطفتهم وعذّبتهم بطرق وحشية، لا لذنب ارتكبوه، بل لأنهم نقلوا جرائم السلطة وأجهزتها بحق المواطنين في الضفة المحتلة، ملتزمين بنقل الحدث كما هو، بلا زيادة أو نقصان.
رغم قانون الغاب السائد في الضفة، لم تنل آلة القمع من عزيمة الصحفيين الذين تحدوا واستمروا، وواجهوا وتصدوا بأقلامهم وعدسات كاميراتهم، وعانوا في سبيل الحقيقة ظلام زنازين السلطة، التي نهشت أجسادهم وأحرقتها سجائر المحققين في الأجهزة الأمنية.
كل ذلك لفرض صوت واحد فقط: صوت السلطة، صوت الحزب الواحد الذي يقدّس قادته ويبرر سياساتهم.
إن الأوطان لا تُبنى بالمنافقين واللصوص!
مجاميع من الكذابين سمّموا أجواء الوطن بمداد أقلامهم، وحرّفوا الحقيقة، ونسجوا شبكة من الأكاذيب جعلت البعض يظن أن الوطن مزرعة خاصة، يورثها الحكام لأبنائهم، حيث يصبح "السيد" عندهم إلهاً، والشعب عبيدًا.
بينما يتضخم المنافقون شرفًا وهم يدبجون مقالاتهم الكاذبة الخارجة من المعدة لا من القلب، يمدحون ويكذبون، ويرفعون من يمدحون إلى سدرة المنتهى، وربما يتجاوزونها لو استطاعوا!
إنهم منافقون وُلدوا وعاشوا وسيموتون كذلك، لا تجد في أقوالهم سوى الزيف والنفاق.
لقد صنعوا أصواتهم من صحف ومواقع أمّموها لتكون لسان كذبهم، يسعون لإخفاء الحقيقة بكل وسيلة. ومن حاد عن دربهم، وجد نفسه مطارَدًا مهددًا، لا مكان له في وطنه إلا إذا قدّم يمين الولاء لسادة السلطة المنتفعين، الذين لا يملكون من السلطة إلا قمع المستضعفين.
أما هم فهم فوق القانون، هم فوقه في دولة القانون... كما يزعمون!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير