ثَغرٌ بلا حارس ..

كتبت الطالبة رغد صلاحات: هل شعرت يومًا أن الحزن وحده يكفي؟
أنك ترى النار تلتهم بيتك، لكنّك واقف عند الباب لا تملك سوى الدموع؟
هل قلتها يومًا؟ " ما بيدي حيلة."
لكن يـا أُخـيّ، من علَّمك هذا العجز؟
من زرع فيك أنّ الصوت لا يُسمع، وأن اليد قصيرة، وأن القلب المحروق يكفيه أن يحترق بصمت؟
من أوحى لك أنّك لا تُحدث فرقًا بثغرك؟
وفي هذا المقام، لا أعني بالثغر ذاك الجدار الذي أُحدثت فيه فُرجة، بل ذاك الموضع الذي يُخشى هجوم العدو منه عندما يغيب الحارس عنه.
قد يكون موقعًا عسكريًا.. وقد يكون قلبًا غافلاً، أو موقفًا محايدًا أو مبدأ مُفرَّطًا فيه، أو حتى فكرة صامتة!
أيـا أُخـيّ..
أيها الشبيه بي في وجعه، وحيرته، وسكوته..
أدعوك أن تلتفت قليلًا حولك، كم من ثغرٍ تُرك مفتوحًا غُيّب عنه حارسه؟ كم من شيخٍ صامت، ومربٍّ يخشَ التوجيه ، وملك يتكئ على الأعداء، ورئيس يُجمّل الذبح بالأعذار، وشبابٌ حُفِّظوا أسماء اللاعبين، ونسوا أسماء الشهداء..
وشابّات صدّقنَ وَهمَ النسوية فأنجبنَ أطفالاً ترضع من الشاشات لا من المبادئ!
حتى أصبحنا في زمن فيه أهل الفجور هم الأجرأ على الفعل، والأسرع إلى القول، والأشد ثباتًا على الباطل.
وأهل الثقة، أهل الحق.. هم الأكثر صمتًا، والأبعد عن الميدان، "لا يهشّون ولا ينشّون"، بالكاد يصلحون أنفسهم -إلا من رحم ربي-.
أين يقف من لا يرى من العالم إلا نفسه؟
مَن أقنع نفسه أنه بلا ثغر أو أثر، مَن يرى المنكر فلا ينكره، والباطل فلا يغيّره، والخير فلا ينصره؟
يرى انحدار القيم، وتهتُّك المجتمع، وتمدد الفساد، ولا يحرك لسانًا، ولا يهز قلبًا !
تراه يعيش حياته وكأن ما يحدث خارج إطار ثيابه لا يعنيه، لا يتعدى بصره أنفه، ولا يتجاوز فكره حدود دنياه، صالح في نفسه فقط..
مستكين ساكن، يُصلي ويصوم، لكن لا يرتجى منه موقف، ولا ينتظر منه كلمة
بل تلك هي الفئة التي ينطبق عليها وصف "جَلَد الفاجر، وعجز الثقة."
فـيـا أُخـيّ
ما كلّ من اعتزل سَلِم، وما خُلقنا لنكون أصفارًا على شمال الأحداث!
الثغور كثيرة، والعدو لا ينام، فلا تقل: "لا أدري أين موقعي"، ولا تنتظر أن يُدعى عليك باسْمك ..
الثغر أحيانًا قلبٌ يُربَّى على الإخلاص، ونفسٌ تُؤدّب على الصدق، وعينٌ تُبصر الحقّ، ويدٌ تمتدّ للعون، ولسانٌ يصدح إذا خُذل الصدق.
رُبَّ ثغرٍ في خلوةٍ تناجي فيها ربك، تدرك فيها أن لا نصر بلا معرفة، ولا ثبات بلا يقين، ولا عزّة بلا عبودية.
ورُبَّ ثغر في بيتك.. حيث تزرع القيم في طفلك، وتغرس في أهلك بنيانًا لا تهزّه العواصف.
ورُبَّ ثغر في صحبتك، في كلمة تُحيي، وفكرة لا يخنُقها الخوف.
لا تحقرنّ سعيك...
فالأمة لا تبنى على صوتٍ واحد، بل على ملايين الأنفاس المؤمنة التي اختارت ألا تكون فرجةً في جدار هذه الأمة.
انظر لقلبك فحاسبه، وإن وجدته فلا تغفل عنه!
فما هُزِمت أمةٌ إلا حين نام الحارس.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء