"إحنا وين رايحين؟" سأُجيب عليكَ وبكُل ألَم: "إحنا وصلنا"

24.04.2025 02:02 PM

 كتبت الطالبة رنيم العفيفي : وصلنا إلى النقطة التي كنا نخشاها دائمًا ولا نريد أن نراها واقعًا. وصلنا إلى آخر درجات القهر، إلى قاع الوجع، إلى لحظة يتمنى فيها الغزي أن يُقصف لا لشيء، إلا ليرتاح. أيُّ مآل هذا الذي وصله شعبنا؟ أيُّ درك من الظلم والخذلان والانهيار؟

   غزة لا تعيش حربًا، بل تعيش محوًا ممنهجًا، وتاريخًا كاملًا يُمحى بالصمت. تُقصف في الليل والنهار، تُهدم بيوتها فوق ساكنيها، يُدفن الأطفال وهم أحياء، وتُسحق الأسر تحت الركام بلا إسعاف، بلا دواء، بلا ماء، بلا غذاء. ولا أحد يتحرك. لا صوت رسمي يعلو، لا جيوش تتحرك، لا عروش تهتز.
أين أنتم يا من تدّعون العروبة؟
أين أنتم يا ملوك ويا رؤساء ويا وزراء الخارجية؟
أين بياناتكم الغاضبة؟ أين خطوطكم الحمراء؟ أم أن غزة لا تستحق أن تُرسم لها حدود الكرامة؟
ألم تحرككم صور الأطفال جياعًا حفاةً بردى؟ ألم يُحرككم مشهد الاشلاء المُتطايرة في السماء من شدة القصف؟  ألا تسمعون أنين الأمهات وصرخات اليتامى؟
غزة اليوم، على وشك أن تُمحى من الخارطة، لا مجازًا، بل حرفيًا. الخرائط بدأت تُرسم من دونها، وكأنها لم تكن، كأنها لم تحضن دماء الشهداء ولا تحتضن الكرامة العربية منذ عشرات السنين. ومع ذلك، يقف العالم صامتًا، والعرب أكثر صمتًا. نحن لا نكتب عن الغضب فقط، بل نصرخ في وجه هذا الكوكب الأعمى: لماذا لا يُنظر إلى غزة كما يُنظر إلى سواها؟ أليست الدماء واحدة؟ أليست الطفولة واحدة؟ أليس الحق حقًا مهما تغيرت الجغرافيا؟
نعم، “هُم وصلوا ، انتم اين؟
وصلوا للحظة التي يُقال فيها لطفل جريح: لا نملك لك سريرًا في المستشفى، ولا طبيبًا، ولا كهرباء، ولا حتى حليبًا. وصلوا للحظة التي يُقتل فيها أب أمام أطفاله، ويُقتل الأطفال أمام أمهم، ولا فرق. الكل هدف، الكل عدو في نظر آلة القتل الإسرائيلية.
وما يزيد الجرح نزفًا، هو خذلان الأمة، خذلان الأشقاء قبل الأعداء، المتاجرين بالقضية، المُطبّعين باسم “السلام” بينما تُباد غزة تحت مسمى “الدفاع عن النفس”
غزة وقفت وحدها، واجهت وحدها، قاتلت وحدها، وماتت وحدها. لكنها، في وحدتها، كانت أعظم من كل جيوش العرب، وأصدق من كل بياناتهم، وأشرف من كل من صمت وهو يقدر أن يتكلم. صمدت غزة، لأنها تعرف أن النصر لا يُشترى، بل يُولد من رحم التضحية. صمدت، لأن فيها رجالاً ونساءً وأطفالًا، آمنوا بأن الأرض لا تُباع، والكرامة لا تُساوَم.
وإن سقط العالم كلّه، فإن غزة لن تسقط. ستبقى شوكة في حلق الظالم، ووصمة عار في جبين المتخاذلين.
وإذا سألتم مرة أخرى: “إحنا وين رايحين؟”
فغزة تقول: “إحنا وصلنا… وانتو وين؟
غزة وصلت إلى قمة البطولة، إلى قمة الثبات، إلى القمة التي فيها يُولد الأمل من قلب الركام.
أما نحن  فوصلنا إلى قاع العار، قاع الخذلان، قاع الصمت.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير