اذا كان لبد من انتخاب نائب للرئيس ليكن من غزة

كتب: رزق عطاونة
في ظل اللحظات العصيبة التي تمر بها القضية الفلسطينية وفي خضم العدوان المستمر على قطاع غزة ومع تعاظم التحديات التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني، التئم المجلس المركزي الفلسطيني ليحمل على عاتقه قرارات قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة لشعبنا المكلوم في كافة أماكن تواجده وفي هذا السياق تبرز مسألة انتخاب نائب للرئيس ومع هذه الخطوة تضع اعضاء المجلس المركزي امام مسؤولية وطنية لا بد أن تُبنى على أسس تمثل روح وحدة شعبنا السياسية والجغرافية.
إذا كان لا بد من انتخاب نائب للرئيس خلال هذه الدورة للمجلس المركزي فإن المسؤولية الوطنية تقتضي أن يكون هذا النائب من قطاع غزة هذه الخطوة ليست مجرد إجراء روتيني أو اختيار إداري بل رسالة بليغة ومباشرة إلى العدو وإلى العالم أجمع: لا دولة في غزة وحدها ولا دولة بدون غزة. إن الاحتلال الإسرائيلي لطالما سعى عبر سياساته الاستعمارية وعبر أدواته السياسية والعسكرية والاقتصادية إلى فرض واقع الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ثم ترسيخ الانقسام كأمر واقع تمهيداً لتفتيت القضية الفلسطينية وهو ما يتطلب من منظمة التحرير ومجلسها المركزي اتخاذ خطوات واضحة لنسف هذا المخطط ومن جذوره.
إن انتخاب نائب للرئيس من غزة لا يمكن قراءته فقط كقرار إداري داخلي بل كخطوة وطنية مدروسة ذات دلالات رمزية وسياسية عميقة، تؤكد التزام منظمة التحرير الفلسطينية بالوحدة الجغرافية والسياسية للشعب الفلسطيني وتؤكد كذلك أن قطاع غزة رغم الجراح ورغم الحصار ورغم محاولات العزل سيظل جزءاً لا يتجزأ من النسيج الوطني ومن معادلة اتخاذ القرار السياسي الفلسطيني.
كما أن هذه الخطوة تشكل رسالة واضحة للمجتمع الدولي، خاصة للدول والمنظمات التي تتابع تداعيات حرب الابادة المستمرة على قطاع غزة بأن منظمة التحرير تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية،وتسعى بجدية لإعادة إعمار القطاع الذي دمرته آلة الحرب كما ان انتخاب نائب للرئيس من غزة سيعكس أمام الشعب الفلسطيني والعالم رغبة النظام السياسي الفلسطيني في تكريس الشراكة الوطنية، والانخراط بفعالية في عملية إعادة البناء والإنعاش الاجتماعي والاقتصادي للقطاع الجريح.
إن منح غزة هذا التمثيل السياسي الرفيع هو أقل واجب تجاه شعب قدم الغالي والنفيس في سبيل بقاء فلسطين على خارطة الوجود كما ان هذه الخطوة هي كذلك تأكيد على أن القيادة الفلسطينية عازمة على السير في طريق العدالة الدولية، وملاحقة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية وكل المنصات القضائية المختصة، لمحاكمته على جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ينفذها بشكل يومي في غزة.
من ناحية أخرى، انتخاب نائب للرئيس من غزة هو رسالة إلى أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، بأن القيادة السياسية لا تفرق بين الضفة وغزة أو بين مدينة ومخيم، بل ترى في فلسطين وطناً واحداً لا يتجزأ، أرضاً وشعباً وهوية هذه الخطوة تعكس بوضوح أن النظام السياسي الفلسطيني يعيد تنظيم صفوفه ليكون ممثلاً صادقاً لكافة الجغرافيا الفلسطينية، ويعبر عن مصالح وتطلعات كل الفلسطينيين، لا لفئة دون أخرى أو منطقة دون سواها.
ومن الجوانب الأهم لهذه الخطوة أنها تأتي في سياق إعادة الحيوية للنظام السياسي الفلسطيني، الذي عانى لسنوات طويلة من الجمود والترهل ويرسخ قناعة الفلسطينيين بأن شراكتهم السياسية ليست محصورة في إطار النضال فحسب، بل تمتد إلى ميادين الإدارة والقيادة واتخاذ القرار. إننا بأمس الحاجة إلى إعادة بناء العقد الاجتماعي بين المواطن الفلسطيني وقيادته، وإعادة الاعتبار لمفهوم الشراكة السياسية الحقيقية التي تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
لقد أثبتت التجربة الفلسطينية، بكل محطاتها، أن وحدة الجغرافيا والقرار السياسي الفلسطيني لا تتحقق بالشعارات وحدها، بل عبر إجراءات عملية وقرارات شجاعة تصدر عن مؤسساتنا الوطنية، وعلى رأسها المجلسين الوطني والمركزي. ونحن اليوم أمام فرصة تاريخية لتأكيد هذه الوحدة وتجسيدها على أرض الواقع، عبر انتخاب نائب للرئيس من غزة.
ختاماً، فإن انتخاب نائب للرئيس من قطاع غزة هو ليس فقط خطوة تكتيكية أو قرار شكلي، بل إعلان سياسي واضح بأن المشروع الوطني الفلسطيني ما زال قائماً، وقادراً على الصمود أمام مشاريع التصفية، وأن الشعب الفلسطيني بكل مكوناته يقف صفاً واحداً خلف قيادته الوطنية في مواجهة الاحتلال وسياساته الاستيطانية والعنصرية هذه الخطوة ستكون بمثابة إعلان التزام واضح بمسار النضال المشترك وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
إننا نأمل أن يكون اجتماع المجلس المركزي نقطة تحول حقيقية في مسيرة العمل الوطني وأن يكون انتخاب نائب للرئيس من غزة أولى خطوات استعادة الوحدة السياسية، وتحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية أمام كل محاولات الإضعاف والتقسيم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء