في معركة الوعي

11.04.2025 04:09 PM

كتب د. وسام الفقعاوي

الجزء الثالث:

ما يحرك الجزء الأكبر من الأقلام والأبواق التي تناولت المقاومة، بالتشكيك والاتهام حد المؤامرة مع العدو على تدمير غزة وإبادة أهلها، والذي يعني في الجوهر، إعفاء العدو من تلك المسؤولية؛ طالما أن طرفًا فلسطينيًا؛ متآمرًا معه، وهو غير الاعتراف بالعدو وجودًا وشرعيةً؛ سيطرة فكرة "حتمية الهزيمة" في صميم بنيتهم الذهنية/الفكرية وممارستهم السياسية؛ متحججين بدائرة الفشل المستمر الذي سيطر على أداء مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية، وبالذات منها القيادة المتنفذة في المنظمة - الذين في غالبيتهم العظمى ينحازون إليها - التي بدأت بالتحرير وانتهت إلى الاعتراف بإسرائيل، وعليه؛ لم يكن أي منهم، قادرًا على "استيعاب" أن بامكان قوة مقاومة فلسطينية، إلحاق هزيمة مدوية وخلال ساعات معدودة بالعدو (أي صديقتهم إسرائيل)، وانهيار أهم فرقة من فرقه، أي فرقة غزة..

وما أن أطلق العدو، أولى طلقاته وصواريخ طائرته ومدافعه، كانت عباراتهم: "نحن من ذهبنا للأسد، وفتحنا باب عرينه"؛ الأسد بالنسبة لهم، رمزًا للقوة التي لا يقهرها أحد، لذلك لم يستعبوا أن تقهرها قوة مقاومة صغيرة قوامها عدة آلاف من المقاتلين، وتتوغل داخل البلاد عشرات الكيلو مترات، وصولًا لمحاولة تبريرهم، أن ميزان القوة بيننا وبين العدو، لا يسمح لنا، بمقارعته/مقاومته، وكأنه في كل تجارب الشعوب التي خضعت للاستعمار والاحتلال، وحققت انتصارًا كاسحًا عليه، كانت قدرات المُستعمَر؛ تساوي أو تضاهي قدرات المُستعمٍر، وأنها لم تعمل (أي القوى المُستعمَرة) على تحشيد وتحفيز ميزان القوة بمعناه الشامل، وهذا ما تؤكده كل التجارب الثورية، من فيتنام إلى الجزائر وكوبا وصولًا إلى أنغولا؛ إلى جانب ارتكازها إلى قوى حليفة وصديقة؛ ساعدتها وساندتها.

لكن المشترك بين كل أصحاب الأقلام والأبواق المهزومة في تجربتنا الفلسطينية، أنها كانت تتشابه وتلتقي مع ذات الأقلام والأبواق المهزومة في التجارب ألمذكورة وغيرها بالطبع، حتى في عملية تشويه وشيطنة الأصدقاء والحلفاء، وما أن حققت تلك التجارب الثورية انتصارها على أعدائها، حتى إٍنزوا أصحاب هذه الأقلام والأبواق، من تاريخ شعوبهم المضيء بالحرية، بل الكثير منهم، هربوا في ذات العربات والقطارات والطائرات التي أقلت جيوش الأعداء، ومنهم من تركهم أعدائهم خلفهم، بعد أن انتهت مهمتهم..! وهنا أستحضر قول غسان كنفاني: "في الوقت الذي كان يناضل فيه بعض الناس، ويتفرج بعضٌ آخر، كان هنالك بعض أخير يقوم بدور الخائن...".

إن النقطة الجوهرية هنا، إلى جانب القراءة العميقة لطبيعة المشروع الصهيوني - الإمبريالي وجوهره الاستيطاني - الاحلالي - الإبادي، وقراءة الواقع الراهن للحركة الوطنية والقوى المقاتلة وطبيعتها وبنيتها ومدى استعدادها للاستمرار في نضالها الثوري وثباتها السياسي، والحالة الشعبية العامة؛ من حيث المقدرات والتحشيد والصمود، خاصة في ظل حرب إبادة الهدف منها، إلى جانب القتل والتدمير، كسر الإرادة الشعبية، كهدف أساسي يسعى العدو، إليه واحتلالها من بوابة احتلال العقل، والسيطرة عليها بتعميم فكرة "حتمية الهزيمة". وفي الحالين معًا، أي مسألة احتلال الإرادة وقبلها احتلال العقل، فإن الأمر ليس شأنًا إرادويًا ونفسيًا، بل ماديًا وتراكميًا أيضًا ونوعًا من الحصيلة الفكرية لسلسلة الفشل/الهزائم المتتالية، لكن الأنكى؛ محاولة الاستقواء بها، على فكرة مقابلة تمامًا، وهي حتمية النصر، والتي بالتأكيد لها شروطها الفكرية والتنظيمية والسياسية؛ فالهزيمة محققة، لمن لا يدرك شروط النصر بالطبع.

هنا، بالضبط موقع هذه الأقلام والأبواق التي إلى جانب التشكيك والاتهام والافتراء والكذب على الدم؛ تبني خطابها على التيئييس والتخذيل وتثبيط العزائم والهمم، ومحاولة تعميم الفوضى الفكرية والسياسية كما المجتمعية، بحيث نكون فعلًا؛ أمام خيانة علنية؛ مشهود عليها بما يكتبون وما يبثون.. ويبقى للرأي ووجهة النظر والنقد الهادف والموضوعي، والارتكاز على الحقيقة كما الحق، أساس يجب أن يحضر في كل وقتٕ وحين؛ مبني على الضمير الجمعي لشعب لم يحد عن المقاومة، في أقسى الظروف وأكثرها صعوبة، متسلح بيقين لا يلين بحتمية النصر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير