في معركة الوعي

كتب د. وسام الفقعاوي:
الجزء الثاني
وطن: يبدو بأننا بحاجة دومًا لإبراز وظيفة العقل ودوره، والذي هو الوجه الآخر، لوعي وظيفة الوعي ودوره فيما نقول وما نفعل، بحيث سعى البعض وما يزال لتغييبه، بالديماغوجيا وإثارة الغرائز والانشداد الفئوي والخطاب السياسي المحكوم بأيديولوجيا الهزيمة والاستسلام وصولًا لاستغلال الهموم المشروعة التي يئن تحت وطأتها مجموع الناس في قطاع غزة، لتوجه ضدهم، في أكثر وقت يحتاح فيه هذا العقل للإنصاف والحماية من عملية التهشيم والتسفيه والابتذال، من خلال تحويل العقل/الدماغ من كامن إلى فاعل، ومن فاعل سلبي إلى فاعل ايجابي، ومن فاعل فردي إلى فاعل جماعي... فما بالنا ونحن نواجه حرب إبادة ومصير؟
لعل ما هو أسوأ وأبشع ما يجري، هو عملية الانقلاب على العقل الفردي والجماعي، كما التجاوز على الحقيقة والدم معًا، والتي تمارس من قبل بعض الكتاب والمثقفين ومنتجي المحتوى ومن على شاكلتهم، من خلال الخطاب الذي وظفوه، منذ انطلاق عملية ٧ أكتوبر ومع دق طبول حرب الإبادة والتطهير، بحيث فتحت أبواقهم ضد المقاومة؛ تشكيكًا وتجريمًا وصولًا لوصمها بالإرهاب، من بعضهم، متحزمين بقوائم الإرهاب التي تصنفها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وتوصم بها حركات المقاومة والتحرر، بالتزامن تمامًا مع أول صاروخ أُُطلق من طائرات العدو ضد أبطالها الذين توغلوا داخل البلاد، مع مئات الآلاف من أسرهم وأبناء شعبنا في قطاع غزة؛ أي عقل ذلك الذي يتزامن إنتاج قلمه وفتح بوقه، مع صاروخ العدو؛ أحدهم يطيح بالرؤوس قتلى وآخر يطيح بالعقول تهشيمًا، وما يترتب على ذلك نفسيًا ومعنويًا؛ فرديًا وجماعيًا؟!
أي قلم او محتوى ذلك الذي يعدّ نفسه، بأنه يدافع عن المشروع الوطني، ويضع المقاومة في خانة الاتهام، في الوقت الذي يعني له المشروع الوطني وضع الجميع تحت سقف الاعتراف بالعدو؟! وأي محتوى الذي يستغل هموم الناس المشروعة، ويجعلها مادة للسخرية والتهكم، في وقت كل لحظة منه، تساوي بحر دم من الدموع والمآسي والكوارث التي لا تتوقف؟!
وأي عقل مؤدلج أو مدفوع، الذي يعمل على المساواة بين العدو والمقاومة، بين الفعل ورد الفعل، بين الجلاد والضحية، ويحاول أن يستنسخ من التجارب أكثرها انهزامًا وانسحاقًا أمام العدو وجعلها قمة الثورية؟ وأي إجرام وتعدي على الحق العام، عندما يتجاوز "أصحاب هذا العقل" الدعوة للعدل والقانون واللجوء والاحتكام إليه ويعملون على تحفيز غرائز العائلية والقبلية، وكأن للعائلية والقبلية شرطة قانون أعلى سقف مما تزكيها الممارسة الاجتماعية؟
لكن الجامع المشترك، بين أصحاب هذا "العقل"؛ أن جزءًا لا يستهان به من كتاباتهم، يستثمر بها العدو والناطقين باسمه، عبر صفحاتهم الشخصية/الرسمية ووسائل إعلامهم الناطقة بالعبرية والإنجليزية والعربية، إلى جانب وسائل الإعلام الناطقة بالعربية وتغذى بالعبرية، من الحدث وسكاي نيوز وعكاظ وصولًا إلى الحرة والعربية...
هنا، بالطبع يُحفظ الحق لكل صاحب رأي ووجهة نظر ونقد، يقف فيه على حدود العقل والحقيقة والموضوعية، وينطلق من قاعدة وطنية، فيما يقول وفيما يفعل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء