في معركة الوعي

04.04.2025 04:34 PM

كتب د. وسام الفقعاوي:

نعم دائمًا، ثمة فجوة، ولكن لا مجال البتة للمقارنة بين فجوة في مجتمع سيد ومتقدم؛ يبحث عن تطوير رفاهه، وبين فجوة في مجتمع مُستعمَر؛ يبحث عن خبزه وحريته أو حتى بين الثاني وبين النموذج الفلسطيني الذي إلى جانب بحثه عن خبزه وحريته يبحث عن وجوده المهدد على أرض وطنه، أي المكابدة الدائمة لحفظ البقاء وحدودها الأدنى والأقصى من الخبز حتى الوجود، والتي تعلو وتعلو في كل لحظة مع تصاعد وتيرة حرب الإبادة وافقاد مجتمعنا في قطاع غزة، كل مقومات العيش والحياة، ووضعه بالفعل أمام مخطط إلغاء الوجود بالتهجير، بحيث أن ما حدث ويحدث لم يكابده تقريبًا، أي مجتمع آخر في العصر الحديث.

في واقع كهذا، سنجد الاختلال الداخلي للذات الواحدة التي عليها أن تواجه في نفس اللحظة: الصاروخ الساقط من السماء، الذي سيقتل الأبناء، والبحث عن رغيف، يقيت يومهم لبعض من الحياة، وبين خيمة نزوح في مهب ريح الاقتلاع في أية لحظة، مع أحلام مكسورة ذهبت مع حجارة البيت وأجمل ذكرياته، التي غدت تحت الأنقاض، وإشارة نصر تخرج جريحة من بين ما تبقى من حجارته، وبين الرغبة في النجاة والخلاص وصولًا للانسلاخ عن الذات وحتى الجماعة أحيانًا... وبين تعبيرات في الثبات والصمود والمقاومة التي جسدها، ذلك المتفرد في لصق عبوته على ظهر الدبابة، وبين من خرج مبتهجًا مهللًا يوم ٧ أكتوبر وبين من لم يعد يطيق نتائج فعل العدو وحرب إبادته، بين ما يجب أن يكون في طريقة وكيفية إدارة الوضع الداخلي وحاضنته الشعبية، وبين تجاوز ذلك والتجاوز عليها وعلى حقوقها أيضًا...

نحن أمام جملة كبيرة من الثنائيات المتناقضة بالفعل.. وثمة تفسيرات سهلة، إن فيما يتعلق بالجماعة أو بالفرد، فسنجد من يقول بالواهمين أو المتخاذلين أو المتهورين أو المرتزقين أو اللامسؤولين أو الساذجين أو ذوي المشاريع الإقليمية أو الخونة.. الخ - وأنا هنا لا أسقط هذه الأوصاف أو بعضها، عن من يعمل بوعي أو بدفع نحوها، وهم بالفعل قائمين بيننا - إن البعدين الحاسمين والمتباعدين جدًا هما: الحاجة المباشرة من ناحية والأماني من ناحية أخرى، ومجازًا أو حقيقة، بين شرعية الرغيف والبقاء وما هو قائم وبين شرعية المقاومة وحقها في الذود عن الإنسان والوجود..

وكلا الشرعيتين لا انفصال بينهما بالمطلق، سوى ذلك الانفصال الذي يحاول أن يقيمه البعض، بدفع سياسي، بخلفية أيديولوجية؛ تعمل على تعميم الهزيمة والاستسلام معًا، وتعتبرها؛ قمة الواقعية التي تعمل على استنساخها من موقفهم السياسي لتمتد إلى المستوى الاجتماعي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير