ذكرى استشهاد صاحب نهج "وراء العدو في كل مكان".. وديع حداد

وطن: تحل اليوم، 28 مارس 2025، الذكرى السنوية لاستشهاد القائد الفلسطيني البارز وديع حداد، أحد مؤسسي حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي قدم حياته فداءً لقضية فلسطين وشعبها، ليظل اسمه خالداً في ذاكرة الأجيال الفلسطينية والعربية.
وُلد الشهيد وديع حداد عام 1927 في مدينة صفد الفلسطينية، لعائلة مثقفة حيث كان والده مدرسًا للغة العربية في مدينة حيفا. تربى وديع في بيئة علمية وحضارية، وكان له دور بارز في تحصيله الدراسي. تميز منذ صغره بذكائه الفطري واهتمامه بالرياضيات، كما كان نشطًا في الأنشطة الرياضية مثل الجري. وبعد النكبة في عام 1948، التي كانت نقطة مفصلية في حياة الشعب الفلسطيني، اضطر وديع مع عائلته إلى الهجرة واللجوء إلى بيروت. هناك التحق بجامعة بيروت الأميركية لدراسة الطب، لكن النكبة تركت أثراً عميقاً في نفسه، فبدأ يشعر بمسؤولية تجاه شعبه وقضيته التي تأثرت بشكل كبير نتيجة التشريد واللجوء.
مع تصاعد الأحداث الفلسطينية، تحول وديع من طالب في مجال الطب إلى ناشط سياسي وعسكري. كانت النكبة نقطة التحول في حياته، حيث دفعته إلى الانخراط المباشر في العمل الوطني الفلسطيني. بدأ في تقديم الدعم والمساعدة للفلسطينيين اللاجئين، من خلال الانخراط في جمعية "العروة الوثقى"، التي كانت تسعى إلى مساعدة الشعب الفلسطيني وتقديم العون للاجئين. كما كان له دور بارز في أنشطة "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل"، التي أسسها الشباب العربي القومي، حيث كانت الهيئة تعمل على مناهضة أي شكل من أشكال الصلح مع الكيان الإسرائيلي، وتنظيم المظاهرات والأنشطة السياسية ضد الاحتلال.
في عام 1950، بدأ وديع حداد مع رفيق دربه الدكتور جورج حبش بتأسيس حركة "القوميين العرب"، التي كانت تسعى إلى تحقيق الوحدة العربية ودعم القضايا القومية، وفي وقت لاحق أسسوا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كانت تهدف إلى تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وقد مثلت الجبهة نقطة تحول مهمة في تاريخ النضال الفلسطيني، حيث ساهمت في بلورة فكرة الكفاح المسلح ضد الاحتلال.
لقد كان لوديع دور كبير في تطوير الجبهة الشعبية وتحقيق أهدافها على الأرض. عمل على تقوية البنية التنظيمية للحركة، واهتم بتدريب الشباب الفلسطيني على أساليب الكفاح المسلح، وكان من أوائل القادة الذين أصروا على ضرورة إقرار العمل الفدائي كأحد أهم أشكال المقاومة ضد الاحتلال. وتوجت هذه الجهود بتشكيل جبهة موحدة تضم مختلف الفصائل الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهت تلك المساعي.
على الرغم من معارضة العديد من الفصائل الفلسطينية لفكرة الوحدة في تلك الفترة، واصل وديع حداد مساعيه لإيجاد آلية مشتركة للعمل الفلسطيني المسلح. وكان يعول على أن تكون هذه الوحدة الفلسطينية بوابة لحل قضية فلسطين من خلال تبني الكفاح المسلح على غرار الجبهة الجزائرية، إلا أن تلك المحاولات لم تكلل بالنجاح في تلك الحقبة بسبب الخلافات بين الفصائل.
ومع تزايد التحديات والهزائم العربية بعد حرب 1967، وخاصة بعد نكسة حزيران، بدأ وديع حداد في العمل على تحقيق مزيد من التنسيق بين الفصائل الفلسطينية، من خلال تشجيعهم على تبني العمل العسكري. في تلك الفترة، كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تتبنى نهجًا عسكريًا لقيادة نضال الشعب الفلسطيني، وكان وديع من أكثر الشخصيات تأثيرًا في دفع هذا النهج إلى الأمام. لقد قام بإعداد الخطط العسكرية للفصائل الفلسطينية واهتم بتطوير العمليات الفدائية عبر الجبهة الشعبية.
ورغم المعوقات السياسية والميدانية، استطاعت الجبهة الشعبية أن تصبح واحدة من أبرز الحركات الفلسطينية في ذلك الوقت، وكان وديع حداد في طليعة من صنعوا هذا الإنجاز. من خلال الجبهة، سعى وديع إلى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي من خلال عمليات عسكرية جريئة تمثل فيها فكرة "وراء العدو في كل مكان"، والتي كانت تهدف إلى الضغط على الاحتلال وإيصال رسالة تضامن مع الشعب الفلسطيني في مختلف أرجاء الأرض.
لم تقتصر إنجازات وديع حداد على الجانب العسكري فقط، بل كان له دور كبير في التنظيم الإداري والمالي لحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية. كان وديع حريصًا على استثمار كل إمكانيات الحركة لتحقيق أهدافها القومية والفلسطينية. وقد برع في إدارة الشؤون المالية للمقاومة الفلسطينية، ما ساعد في تأمين التمويل اللازم لعمليات المقاومة المستمرة.
في عام 1978، استشهد القائد وديع حداد في ألمانيا الشرقية، بعد مسيرة طويلة من النضال والعطاء، ليترك وراءه إرثًا نضاليًا عظيمًا. كانت استشهادته خسارة كبيرة للفلسطينيين والعرب، إلا أن ذكراه وعطاءه الحي ما زالا مصدر إلهام لكل الأجيال التي تواصل النضال من أجل حرية فلسطين. سيظل وديع حداد خالداً في ذاكرة الشعب الفلسطيني، رمزًا من رموز الشجاعة والوفاء لقضية فلسطين.