بين نيران الاباده وموت السياسه .. كيف نمنع تحويل المجزرة إلى فرصة للعدو؟

27.03.2025 04:43 PM

 كتب اياد عبد العال : بين أنين التهجير وارتباك المشهد الداخلي، يقف الفلسطيني اليوم أمام لحظة حرجة تختبر وعيه الوطني، وتستدعي منه أكثر من مجرد الغضب أو التبرّم. فالاحتلال، الذي عجز عن كسر إرادة غزة رغم شهور من التدمير وحرب الاباده، بات يراهن على تفكك المجتمع الفلسطيني ، وعلى قدرة أدواته النفسية والسياسية في ضرب ما تبقى من التماسك الفلسطيني.

التحركات التي خرجت في غزة أو في غيرها، مهما كانت دوافعها، يجب أن تُقرأ في ضوء سياق أوسع: العدو يعمل بلا توقف على صناعة الانقسام الافقي  وتغذية الغضب الداخلي، مستثمرًا في كل ضعف، وكل صرخة لا تُوجَّه نحوه، بردها  إلى الداخل. وللأسف، فإنه ينجح أحيانًا لأن البعض يظن أن التعبير عن الضيق لا يحمل تبعات، في حين أن الاحتلال يراقب كل تفصيل، ويوظفه في روايته لتشويه القضية، وخلق صورة شعب منقسم على ذاته، بدلًا من شعب يواجه مشروع اقتلاع ممنهج.

اليوم، تهجّر أحياء بكاملها، وتُقصف المخيمات فوق ساكنيها، فيما يتعامل البعض مع الكارثة وكأنها مشهد اعتيادي. تصريحات باهتة، مساعدات إغاثية، بيانات تنديد لا تغير شيئًا. أما مراكز المدن والمواقع الرسمية فتمارس حياتها كأن لا شيء يحدث، وكأن غزة باتت كوكبًا آخر.

وفي قلب هذا المشهد، تقف السلطة الفلسطينية في رام الله موقف المتفرج – أو الأسوأ – موقف الشريك بالصمت. لم تتحرك لتقود الناس، لم تعبّر عن الغضب الشعبي، لم توحّد الصفوف، ولم تحمِ الضفة من التآكل المستمر. لم تستنفر بعثاتها الدبلوماسيه، ولم تدفع في تفعيل الحراكات في التجمعات الفلسطينيه  بل على العكس، لعبت أدوارًا – مقصودة أو غير مقصودة – ساعدت الاحتلال في تمرير خططه، سواء عبر التنسيق الأمني، أو بتهميش الفعل الشعبي،وشيطنه التحركات العفويه  أو عبر خطاب سياسي بارد لا يرقى إلى حجم الدماء المسفوكة.

في لحظة يُفترض أن تكون القيادة على الخط الأمامي، اختارت السلطة أن تدير ظهرها للناس، وكأن ما يحدث لا يعنيها.
هذا الفراغ السياسي لا يمكن أن يستمر، لأن الشعب الذي ينزف لا يقبل بعد الآن بقيادة عاجزة، أو صامتة، أو متواطئة.

لقد أصبح واضحًا أن الاحتلال يسعى، لا إلى النصر العسكري فقط، بل إلى نصر سياسي طويل الأمد: تهجير الناس بصمت، تفكيك المجتمع من داخله، إفراغ الأرض من سكانها، وتطبيع الواقع الجديد بصور الانقسام والتشتت.

في هذه اللحظة، لا يجوز لأحد أن يتورط – عن قصد أو بغير قصد – في تسهيل هذه الأجندة.
العدو لا يحتاج  إلى تبرير إضافي لعدوانه، هو فقط يحتاج إلى أن نتنازع، أن نتفرق، أن نغضب من بعضنا، وأن نوجه أصابع الاتهام نحو الداخل، وهو ما يجب أن نرفضه.

المعركة لم تنتهِ، والاحتلال لم يتراجع. من يريد أن يعبّر عن وجعه، فليعبّر بالغضب المنظم، بالغضب الذي يفضح الاحتلال لا يهاجم ضحاياه. ومن يريد أن يُحدث تغييرًا، فليبدأ بتجسيد الموقف الوطني لا بنقضه، بالانحياز للشعب لا بالتشكيك به، بترسيخ الرواية الفلسطينية لا بتبديدها في زوابع داخلية.

إن أخطر ما يمكن أن نواجهه اليوم، ليس فقط آلة الحرب، بل غياب البوصلة. وغيابها، هو الهدية الأكبر التي يمكن أن نقدمها لعدو لا ينتظر سوى لحظة الضعف ليفرض مشروعه.

فلنعد إلى جوهر الصراع: هناك احتلال، وهناك شعب تحت النار. وما دامت هذه الحقيقة قائمة، فكل انحراف عنها هو خيانة للدم الذي يسيل، وللأرض التي تنزف

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير