شوكت الراميني يكتب لوطن .. "العرب وترامب: من الشعارات إلى بناء الدولة" .. (الجزء الثاني)

16.02.2025 11:05 AM

في الجزء الثاني من مقالنا حول العرب وترامب: من الشعارات إلى بناء الدولة، نحاول تسليط الضوء على سلسلة من عوامل القوة (الأسلحة) التي يتمتع بها العرب أولًا والمسلمون ثانيًا وامتدادات تأثيرهم، في المواجهة السياسية مع الإدارة الأمريكية لمقاومة تهجير الفلسطينيين من أرضهم التاريخية، وبناء الدولة الفلسطينية، وديناميكية الاستخدام الأقصى لعوامل القوة المتاحة.

فرغم معرفتنا بأن علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل هي علاقة استراتيجية عضوية، وتُعتبر إسرائيل عمليًا إحدى الولايات الأمريكية ذات الوضع الخاص، وهي صورتها المصغرة (وصيروريتها) وأداتها الاستعمارية الموثوقة، وكتلة الحرب والشر الأمريكيتين ورافعتهما، ويضاف إلى تلك الخصوصية توفر عناصر أخرى تتعلق بالنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة تاريخيًا وعضويًا في تركيبة نشأتها الأولى بشكل عام، فإن كل هذا لا يشكل عائقًا أمام تصعيد المواجهة السياسية الجادة مع حاضنة الكيان بحد ذاتها من قبل الدول العربية الرسمية، والدول الإسلامية، والحواضن الشعبية على امتداد المعمورة، لأسباب تم ذكرها في الجزء الأول من المقال، فلا حياة للمرتعدين.

هذا التحرك المنشود والمأمول، يهدف إلى دفع الرئيس الأمريكي وإدارته للتراجع عن فكرة تهجير سكان قطاع غزة والفلسطينيين عمومًا، وتحويل التركيز نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة كمصلحة أمريكية وعالمية عاجلة، وكحلٍّ وسطي في ظل عالم يُعاد تركيبه، وتحويل ذلك التوجه إلى هدف ناظم لتحرك عالمي جدي مفترض. وسنعرض ونسلط الضوء على عاملين (سلاحين) ضاغطين من ذوات التأثير المباشر في هذا الجزء، وسنناقش بقية العوامل في مقالات متتابعة لاحقاً ، وجميعها يمكن استخدامها  او التلويح باستخدامها من قبل العرب وحلفائهم وامتدادات تأثيرهم بشكل مدروس ومتناغم، لتحقيق استقرار المنطقة وتوازن المصالح، عبر إنشاء الدولة المنشودة للفلسطينيين باعتبار أن تجاهلها عنوان للظلم والتعدي الصارخ ومفجر دائم للصراعات.
السلاح الاقتصادي:
تمتلك الدول العربية، وخصوصًا دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، احتياطيات هائلة من النفط والغاز، مما يمنحها نفوذًا واسعًا على الساحة الاقتصادية العالمية. هذه الثروة تجعلها قادرة على التأثير في الأسواق من خلال التحكم بأسعار الطاقة وتدفقاتها، وهو ما يمكن أن يشكل وسيلة ضغط قوية على الولايات المتحدة، مما يدفعها إلى إعادة النظر في مواقفها من تجسيد الدولة الفلسطينية كحل للصراع. كما أن تعزيز التعاون مع القوى الكبرى مثل الصين وروسيا في هذا المجال قد يزيد من فاعلية هذا التأثير، مما يمنح الدول العربية مزيدًا من المرونة في علاقاتها الدولية، ويضاعف تأثيرها لصالح القضية الفلسطينية والقضايا العربية عمومًا.

إلى جانب ذلك، ومع تزايد الاهتمام العالمي بالطاقة المتجددة، يمتلك العالم العربي فرصة ذهبية لاستغلال موارده الطبيعية في مجالات مثل الطاقة الشمسية والرياح. وهذا التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة لا يعزز الاستدامة فحسب، بل يفتح آفاقًا جديدة للتحالفات الاقتصادية مع دول مختلفة، مما يسهم في إعادة تأكيد أهمية المنطقة العربية كلاعب رئيسي على الساحة الدولية، وضرورة استقرارها، وحل القضية الفلسطينية ضمن الرؤية العربية والقرارات الدولية المتعاقبة، مع احترام مبدأ المصالح المتوازنة.

أما على الصعيد التجاري والاقتصادي، فتمثل الدول العربية أسواقًا ضخمة للمنتجات الأمريكية، ويمكنها التلويح بإعادة رسم المشهد الاقتصادي من خلال تعزيز شراكاتها مع قوى أخرى وفق التوازنات الدولية المتعددة. وهذا التوجه يقلل من الاعتماد على الاقتصاد الأمريكي، مما يمنح الدول العربية مساحة أكبر للمناورة الاقتصادية ويعزز استقلالية قراراتها الاستراتيجية، ويفعل من وسائل ضغطها.

أما فيما يخص المصالح الأمريكية بعيدة المدى، فإن الدول العربية يمكنها التركيز على أهمية استقرار المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة. فحل القضية الفلسطينية، من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة، يخدم المصالح الأمريكية من حيث تحقيق الاستقرار الإقليمي وتقليل احتمالية نشوب نزاعات جديدة، خاصة في ظل تراجع واشنطن عن سياسات التدخلات العسكرية والتوجه نحو تبريد الحروب عموماً، وهو ما يصب في مصلحة الجميع.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، تبرز الدبلوماسية الاقتصادية كأداة فعالة يمكن للدول العربية والإسلامية استخدامها لتحفيز واشنطن على تبني حل إقامة الدولة الفلسطينية، وذلك من خلال تقديم حوافز اقتصادية مغرية، مثل توقيع اتفاقيات تجارية ضخمة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، أو دعم الاستثمارات الأمريكية في المنطقة ضمن اشتراطات تدفع باتجاه مراجعة الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية والمباشرة في إقامة الدولة.

كما أن تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية والشركات الأمريكية الكبرى في مجالات التكنولوجيا والطاقة يشكل ورقة ضغط إضافية في ظل التحولات التي تشهدها مراكز القوة داخل الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا. فقد تتحول هذه المصالح إلى عامل ضغط على الحكومة الأمريكية لتعديل مواقفها. فمن منظور اقتصادي بحت، تعد إسرائيل ثقبًا أسودَ لمال الضرائب الأمريكية، في حين تتعدد المصالح الأمريكية في المنطقة العربية بشكل يجعل من تعزيز العلاقة مع الدول العربية أكثر جدوى من الالتزام المطلق بالموقف الإسرائيلي وتبني تصوراً واحداً لوجود إسرائيل وهيكل هذا الوجود. كما أن فقدان إسرائيل لوظيفتها التقليدية في حفظ المصالح الأمريكية بالمنطقة، وافتقارها للقدرة على تحقيق الاستقرار، يجعل من استمرار الدعم غير المشروط لها خيارًا مكلفًا للولايات المتحدة ولدافعي الضرائب الأمريكيين .

سلاح العلاقات الدولية والدبلوماسية:
في ظل التغيرات المتسارعة في المشهد السياسي الدولي، تسعى الدول العربية إلى تعزيز موقعها الجيوسياسي عبر استثمار علاقاتها مع القوى الكبرى في الطرف الآخر، بهدف موازنة النفوذ الأمريكي في المنطقة. فالصين، التي تربطها علاقات استراتيجية بالعديد من الدول العربية، قادرة على تقديم بدائل اقتصادية وعسكرية، مما يمنح الدول العربية خيارات أوسع في التعامل مع السياسة الأمريكية. أما روسيا، فيمكنها دعم المواقف العربية داخل الأمم المتحدة والمساهمة في تشكيل ضغط سياسي على الولايات المتحدة، خاصة في القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وإذا نجحت الدول العربية في تنسيق تحالفات دولية مع هذه القوى، فقد تتمكن من الدفع باتجاه مواقف أكثر توازنًا نحو إقامة الدولة الفلسطينية. وفي هذا السياق، تشكل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ساحة مفتوحة يمكن استغلالها للضغط على الولايات المتحدة. فتقارير المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، بما في ذلك التطهير العرقي في الأراضي الفلسطينية، قد تكون ورقة ضغط قوية. ويمكن للدول العربية والإسلامية تعزيز هذا المسار عبر دعم الجهود القانونية لمحاسبة إسرائيل والانضمام إلى التحركات الدولية، مثل تلك التي تقودها جنوب إفريقيا في هذا الشأن. كما أن تكثيف الجهود للحصول على دعم أوسع في الجمعية العامة للأمم المتحدة قد يسهم في تعزيز الموقف الدولي المؤيد لإنشاء الدولة الفلسطينية، والحد من محاولات واشنطن تقويض القرارات الأممية لصالح إسرائيل، خاصة أن تغيير طبيعة المجابهة مع روسيا والصين قد يخفف من استخدام الفيتو الأمريكي بشكل عبثي.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، يمكن للدول العربية استغلال التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لتعزيز موقفها، والاستفادة من المواقف المبدئية لعدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها إسبانيا وأيرلندا والنرويج. فمع تصاعد الانتقادات الأوروبية للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي، يمكن تشكيل جبهة دبلوماسية مع دول مثل فرنسا وألمانيا لدفع واشنطن نحو احترام القانون الدولي. كذلك، فإن التقارب مع الدول الأفريقية والآسيوية، التي تساند القضية الفلسطينية تاريخيًا، قد يزيد من عزلة الولايات المتحدة دوليًا، خصوصًا في ظل صعود الوعي التحرري في القارة الأفريقية، والبناء على اعتراف 144 دولة بفلسطين من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة. كما يمكن الاستفادة من توجهات الإدارة الأمريكية نحو إعادة التوازن في العلاقات الضريبية، مما يقلل من تحيزها لبعض الدول.
ولا يمكن التقليل من أهمية تكتل الدول الإسلامية الكبرى، مثل تركيا وإيران، في مواجهة السياسات الأمريكية، إذ تمتلك هذه الدول القدرة على مضاعفة الضغط الدبلوماسي بالتعاون مع منظمات دولية أخرى.
علاوة على ذلك، يمكن تعزيز تحالفات الدول العربية مع الدول النامية، خاصة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لتشكيل جبهة دبلوماسية أوسع داعمة للحق الفلسطيني. فالكثير من هذه الدول تبدي تعاطفًا مع القضية الفلسطينية، ويمكن عبر تنسيق الجهود معها في المحافل الدولية تكثيف الضغط على الإدارة الأمريكية. كما أن تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية الكبرى، مثل الأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان وصندوق النقد الدولي، قد يقلل من النفوذ الأمريكي ويزيد من عزلة إسرائيل دبلوماسيًا. فلا عدالة ولا حياة للمرتجفين ....

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير