خـطـة تـطـهـيـر عـرقـي تـنـطـوي عـلـى نـزعـة نـيـو- إمـبـريـالـيـة وتـتـطـلـب رداً حـازمـاً

كتب د. ماهر الشريف *: استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء في الرابع من شباط/ فبراير الجاري، رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، في أول زيارة دولة تتم في ولايته الثانية. وقد عُقد اللقاء بينهما في المكتب البيضاوي، وسلط الضوء على التحالف المتين بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وشملت المباحثات قضايا عديدة، من أبرزها تعزيز قدرات الجيش الإسرائيلي، بعد أن كان دونالد ترامب قد رفع الحظر على توريد القنابل الثقيلة إلى إسرائيل وأقرّ مساعدات عسكرية جديدة لها بقيمة مليار دولار، والموقف من إيران ومستقبل برنامجها النووي، ومشروع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن استمرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتنفيد المرحلة الثانية من الهدنة، ومستقبل فلسطينيي القطاع.
وفي لفتة تنم عن مشاعر لا إنسانية، أهدى بنيامين نتنياهو مضيفه الأميركي جهازَي اتصال، أحدهما مذهب، يشبهان الأجهزة التي تم تفجيرها خلال العملية التي استهدفت حزب الله وأنصاره، وذهب ضحيتها مئات الضحايا، فردّ عليه الرئيس الأميركي بقوله: "لقد كانت عملية رائعة"، وقام بدوره بإهداء نتنياهو صورة من لقائهما، موقعة بعبارة: "إلى بيبي، قائد عظيم". ويُقال إن ترامب انتقد إلزام بنيامين نتنياهو بالمثول أمام المحكمة ثلاث مرات في الأسبوع، في الوقت الذي يقود فيه حرباً "تغيّر وجه الشرق الأوسط"، ووصف هذا الوضع بـ "السخيف"، مقارناً ذلك بنظريته الخاصة عن "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة. وقال مصدر في الوفد الإسرائيلي: "إن إسقاط حكومة يمينية بينما ترامب رئيساً للولايات المتحدة سيكون بمثابة عدم مسؤولية وطنية وسيوجه ضربة قاضية لمعسكر اليمين"، مضيفاً: "لدينا ما يقرب من عامين لإحداث تغيير تاريخي، ولا يمكننا تفويت هذه الفرصة" (1).
قد تصبح غزة "ريفييرا" الشرق الأوسط، بعد تهجير سكانها!
عقب الاجتماع، عقد دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو مؤتمراً صحفياً في البيت الأبيض، اقترح فيه الرئيس الأميركي ترامب تدخلاً أميركياً مباشراً في إدارة قطاع غزة، إذ ذكر أن "الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وستمتلكه"، موضحاً أن إدارته ستكون مسؤولة عن "تفكيك القنابل والأسلحة التي لم تنفجر وهدم المباني المدمرة وإعادة تأهيل الموقع". وفي رؤية غير متوقعة لمستقبل القطاع، أضاف دونالد ترامب أن "غزة يمكن أن تصبح ريفييرا الشرق الأوسط"، في إشارة ضمنية إلى إمكانية تحويل القطاع الساحلي إلى وجهة سياحية فاخرة بعد إعادة إعماره. وقال إنه "لا يوجد مستقبل دائم للفلسطينيين في غزة"، ذلك إن "غزة الآن غير صالحة للسكن، وليس أمام الفلسطينيين سوى خيار المغادرة"، مقترحاً أن يجري نقلهم إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، ومشيراً إلى "أرض جيدة وجديدة وجميلة" حيث يمكنهم الاستقرار فيها.
وتساءل: "لماذا يريدون العودة ؟ لقد أصبح هذا المكان جحيماً"، و"لا أعتقد أن عليهم العودة إلى غزة، فغزة كانت سيئة الحظ بالنسبة لهم، وهي ليست المكان الذي يجب أن يعيشوا فيه"، وأضاف "سيحبون مغادرة غزة، والعيش في مكان آخر إذا أتيحت لهم الفرصة"، يمكن "أن يكون الأردن أو مصر أو دول أخرى"، وذلك بعد أن ذكّره أحد الصحفيين بأن غزة هي موطن هؤلاء الناس. وعندما سُئل عن عدد سكان غزة الذين يعتزم نقلهم، أجاب ترامب: “جميعهم، نحن نتحدث على الأرجح عن مليون وسبعمائة ألف شخص...لكنني أعتقد أنهم جميعا سيتم إعادة توطينهم في مناطق يمكنهم أن يعيشوا فيها حياة جيدة ولا يخشون الموت كل يوم"، وأضاف أن أموال المشروع لن تأتي من بلاده ولكن من "دول غنية حقاً، مستعدة لتقديمها". وعندما سأله أحد الصحفيين عما إذا كانت هذه الرؤية تعني أنه لا يؤمن بحل الدولتين، تجاهل دونالد ترامب السؤال بقوله: "هذا لا يعني أي شيء على الإطلاق"! وقال أيضاُ إن على الدول الأخرى "الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم"، معيداً التذكير بأن "أهوال 7 أكتوبر لم تكن لتحدث لو كنت رئيساً".
وقد حاول ستيف ويتكوف، المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، تبرير موقف رئيسه بتوضيح أن قطاع غزة سيبقى غير صالح للسكن "لسنوات" وأنه من "غير المعقول" الاعتقاد بأن الفلسطينيين يمكن أن يعودوا إليه في غضون خمس سنوات (2).
ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل "قيد البحث"
تحدث الرئيس الأميركي، خلال المؤتمر الصحفي، عن إمكانية ضم إسرائيل الضفة الغربية المحتلة، مشدداً على صغر حجم إسرائيل مقارنة بجيرانها العرب، واستخدم عرضاً بصرياً لتوضيح وجهة نظره، قائلاً: "انظروا إلى هذا القلم، هذا القلم الجميل؛ إذا كانت طاولتي تمثل الشرق الأوسط، فإن رأس القلم هو إسرائيل"، مضيفاً: "هذا ليس جيداً، أليس كذلك؟ إنه فرق كبير جداً"، وأوضح الرئيس أن الأمر "كان مجرد تشبيه، للتأكيد على أهميته؛ إنه في الواقع أمر دقيق للغاية، إنها قطعة أرض صغيرة جداً"، وعبّر ترامب عن إعجابه بالإنجازات الإسرائيلية على الرغم من هذا القيد الجغرافي، قائلاً: "من الرائع ما تمكنوا من تحقيقه؛ عندما تفكر في الأمر، تجد أن لديهم الكثير من القدرات الفكرية، لكنها قطعة أرض صغيرة، لا شك في ذلك"، مؤكداّ أنه سيتخذ قراره بصدد مسألة الضم خلال الأسابيع المقبلة.
وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، أبدى الرئيس الأميركي حذره قائلاً: "ليس لدي أي ضمانة بأن وقف إطلاق النار في غزة سيصمد"، وأضاف: "لقد رأيت الناس يتعرضون لأعمال وحشية، لم يسبق لأحد أن رأى شيئاً كهذا، وليس لدي أي ضمانة بأن السلام سيصمد". أما مبعوثه ستيف ويتكوف فكان أكثر تفاؤلاً، إذ قال: "إن وقف إطلاق النار صامد في الوقت الراهن، ونحن نعتقد اعتقاداً راسخاً بأنه سيصمد؛ هذا هو الاتجاه الذي حدده الرئيس - إطلاق سراح الرهائن وإنقاذ الأرواح، والتوصل إلى اتفاق بالوسائل السلمية" (3).
علاقات "رائعة" بين البلدين و"أعظم صديق"
خلال المؤتمر الصحفي أعرب الرئيس الأميركي عن حبه إسرائيل قائلاً: "أنا أحب إسرائيل وسأذهب إلى هناك، وسأذهب إلى غزة والمملكة العربية السعودية والكثير من الأماكن الأخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط"، وأضاف أن مباحثاته مع بنيامين نتنياهو كانت "رائعة"، واصفاً العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها "رائعة"، بينما رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ "أعظم صديق لإسرائيل" في البيت الأبيض، مقدّراً أن خطته بشأن قطاع غزة "قد تغيّر التاريخ"، ومؤكداً أن صفقة التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل ستتم، قائلاً: "أعتقد أن السلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ليس فقط ممكناً، بل أعتقد أنه سيحدث".
وفي يوم زيارة بنيامين نتنياهو، وقّع دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من عدة هيئات تابعة للأمم المتحدة، وفي مقدمها مجلس حقوق الإنسان، ومراجعة تمويل واشنطن للمنظمة الدولية، كما وقّع أمراً تنفيذياً يمدد تعليق التمويل الأميركي لوكالة "الأونروا"، كما وقّع مذكرة رئاسية تعيد فرض سياسة صارمة على إيران بغية منعها من امتلاك أسلحة نووية والحد من صادراتها النفطية. وقال دونالد ترامب في خطاب ألقاه في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، إن إيران "لا يمكن أن تمتلك أسلحة نووية، وإن الولايات المتحدة لديها الحق في منع بيع النفط الإيراني إلى دول أخرى" (4).
ردود أفعال إعلامية وسياسية دولية على "خطة" دونالد ترامب
أحدث إعلان دونالد ترامب بشأن خطته للتحول الجذري في قطاع غزة صدمة في وسائل الإعلام الدولية وفي العديد من دول العالم.
"إنها واحدة من أكثر الأفكار استفزازاً التي تجرأ زعيم أمريكي على طرحها منذ سنوات"، علّقت صحيفة "نيويورك تايمز" على "خطة" دونالد ترامب، وأضافت: "بينما قدم الرئيس هذه القضية باعتبارها ضرورة إنسانية وفرصة للتنمية الاقتصادية، فقد أعاد في الواقع فتح صندوق باندورا الجيوسياسي الذي ينطوي على آثار كبيرة على الشرق الأوسط"، مشيرة إلى أن "السيطرة على غزة كانت إحدى العقبات الرئيسية في الصراع الإسرائيلي العربي لعقود من الزمن، وفكرة نقل سكانها الفلسطينيين تذكرنا بالوقت الذي كانت فيه القوى الغربية الكبرى تعيد رسم خرائط المنطقة وتهجير السكان دون النظر إلى حكمهم الذاتي المحلي".
واعتبرت الصحيفة أن "فكرة سيطرة الولايات المتحدة على أراضٍ في الشرق الأوسط ستشكل تراجعاً جذرياً بالنسبة للسيد ترامب، الذي ترشح لأول مرة لمنصب الرئاسة في سنة 2016 متعهداً بإخراج أميركا من المنطقة بعد حرب العراق"، مشيرة إلى أن الرئيس الجمهوري "لم يستشهد بأي سلطة قانونية تمنحه الحق في الاستيلاء على أراضي فلسطين"، وهو "لم يأخذ في الاعتبار حقيقة أن التهجير القسري للسكان ينتهك القانون الدولي وعقوداً من الإجماع على السياسة الخارجية الأميركية داخل كلا الحزبين" الجمهوري والديمقراطي. بينما قدّرت صحيفة "واشنطن بوست" أن قرار "الاستيلاء على الأراضي التابعة للفلسطينيين سيجر الولايات المتحدة إلى عمق أكبر في هذا الصراع"، متوقعة أن تثير تصريحات ترامب "الغضب داخل العالم العربي"، ومعتبرة أن فكرته "لا تعطي سوى القليل من الاهتمام لما يريده الفلسطينيون" (5).
من جهتها، وصفت شبكة "سي إن إن" الخطة بأنها "الفكرة الأكثر وحشية في تاريخ جهود السلام الأميركية في الشرق الأوسط"، واتهمت "سكاي نيوز" دونالد ترامب بـ"الترويج لخطة خطيرة" و"الدعوة علناً إلى التطهير العرقي". وشددت صحيفة "ديلي ميل" على أن "كلماته ستزرع الخوف بين الفلسطينيين"، مضيفة أن ترامب أصر على أن "الوقت قد حان لنهج جديد"، بينما رأت "بي بي سي" في هذا المشروع "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي"، في حين كان عنوان صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية: "خطة ترامب: الفلسطينيون سيغادرون غزة التي ستصبح ريفييرا الشرق الأوسط"، ولخصت صحيفة "سيدني مورنينج هيرالد" الأسترالية الوضع بقولها إن "ترامب صمم التطهير العرقي على أنه فرصة عقارية" (6).
أما صحيفة "لوموند" الباريسية، فقد عنونت افتتاحيتها، في 5 شباط/فبراير الجاري، التي تناولت فيها هذه "الخطة" على النحو التالي: "إن مشروع دونالد ترامب بشأن غزة هو مشروع تطهير عرقي"، وأشارت فيها إلى أن أحد ثوابت الرئيس الأميركي هو "الانحياز إلى المواقف الإسرائيلية"، وهو ما برز خلال ولايته الأولى في نقله سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس وفي الاعتراف أحادي الجانب بالسيطرة الإسرائيلية على هضبة الجولان. ورأت أنه بمشروعه الحالي، الذي يغطيه "باعتبارات إنسانية فضفاضة"، يجتاز خطوة جديدة على طريق هذا الانحياز، ويتبنى "رؤية اليمين المتطرف في إسرائيل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي"، معتبرة أن التهجير القسري للفلسطينيين يمثّل "جريمة حرب"، وهو قد يترافق مع "احتمال ضم واسع" في الضفة الغربية.
وخلصت الصحيفة إلى أن دونالد ترامب "واثق في أن القوة التي يلوّح بها منذ عودته إلى البيت الأبيض تعلو على كل شيء"، وأن هذه الثقة بالقوة "دفعت قبل أكثر من عقدين إدارة جمهورية أخرى، بعد 11 سبتمبر، إلى اختيار المغامرة الحربية في الشرق الأدنى"، التي أساءت إلى صورة الولايات المتحدة، وأفقدتها آلاف العسكريين ومبالغ باهظة، وكل ذلك "في مقابل نتائج مختلفة عن تلك التي سعت إليها". واختتمت الصحيفة افتتاحيتها، فكتبت: "إن دونالد ترامب يمارس الآن سياسة نيو-إمبريالية ونيو-كولونيالية فظة"، وهو بدلاً من أن يعيد إلى أميركا "عظمتها" كما يزعم، يخاطر بإعادة طرائق الماضي الدموية (7).
وعلى الساحة الدولية، اعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تصريح الرئيس الأميركي "غير مقبول". ودعت وزارة خارجية إندونيسا، التي طًرح اسمها في الدوائر المحيطة بدونالد ترامب لتكون أحد مواقع استقبال الغزيين المهجّرين، إلى "احترام القانون الدولي"، ولا سيما "حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وحقهم غير القابل للتصرف في العودة إلى وطنهم". وأشارت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي "تشكل خطراً على الاستقرار وعلى عملية السلام"، مؤكدة أن "فرنسا تعارض تماماً تهجير السكان"، وأن مستقبل غزة يكمن في "دولة فلسطينية مستقبلية، وليس في سيطرة دولة ثالثة عليها".
أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فقد شدّد على ضرورة أن يتمكن فلسطينيو غزة من العودة "إلى ديارهم وإعادة البناء"، كما أكدت برلين أن الأراضي "ملك للفلسطينيين"، في حين وصف الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا اقتراح نظيره الأميركي للسيطرة على قطاع غزة بأنه "غير مفهوم"، وقال في مقابلة مع محطة الإذاعة البرازيلية: "إن الفلسطينيين هم الذين يجب أن يراقبوا غزة، وهم الذين يحتاجون إلى تعويض كل ما تم تدميره حتى يتمكنوا من إعادة بناء منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم والعيش بكرامة واحترام"، ثم تساءل: "أين سيذهب الفلسطينيون؟ أين سيعيشون؟ ما هي بلادهم؟ إنه شيء غير مفهوم"، وأضاف الرئيس، الذي كرر التزامه بحل الدولتين، "ما حدث في غزة كان إبادة جماعية، وبصراحة، لا أعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة، المتورطة في كل هذا، هي في وضع أفضل للتعامل مع غزة". وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد كرر التأكيد على أن أي ترحيل قسري أو طرد من الأراضي المحتلة "محظور تماماً" بموجب القانون الدولي (8).
يتوجب التصدي بحزم لهذه الخطة، وخصوصاً من جانب الدول العربية
لا يُشك في أن الغزيين والغزيات سيتصدون بحزم لهذه الخطة الخطيرة، وسيصرون على البقاء في أرضهم، حتى بين أنقاضها، وهو ما عبّر عنه العديد من الذين عادوا إلى ديارهم بفضل الهدنة، وتحدثوا عن رغبتهم في إعادة إعمار ديارهم، إذ قال أحمد الميناوي (24 عاماً) الذي عاد إلى مدينة غزة: "نحن نحارب ضد التهجير منذ سنة 1948"، وأضاف "نحن نرفض أن نطرد من أرضنا، هذه أرضنا"، بينما قال أحمد هلسا، البالغ من العمر 41 عاماً من سكان البلدة نفسها: "أنا غزاوي، والدي وجدي من هنا (...) لدينا خيار واحد فقط: إما أن نعيش أو نموت هنا" (9).
والمهم الآن أن تقف الدول العربية موقفاً حازماً من خطة دونالد ترامب، وأن تتخذ السياسات المناسبة لمواجهتها، وأن ترد على "عنهجية" الرئيس الأميركي و"استخفافه" بالزعماء العرب. فعندما يعلن كلٌ من الأردن ومصر أنهما يرفضان تهجير الفلسطينيين وتوطينهم على أراضيهما، يرد دونالد ترامب بصفاقة "سيقبلان في نهاية الأمر، فنحن نقدم لهما الكثير!"، وعندما تربط المملكة العربية السعودية، وخصوصاً بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتكرر هذا الموقف مؤخراً، يقف الرئيس الأميركي في المؤتمر الصحفي، مع حليفه "العظيم"، ليقول: "إن السعودية لا تطالب بإنشاء دولة فلسطينية كشرط مسبق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل!"، ويجيب عن سؤال عما إذا كانت الرياض تطالب على الأقل بإيجاد طريق إلى دولة فلسطينية، بقوله إن "الجميع يطلب شيئاً واحداً: السلام".
وفي ظني تمتلك الدول العربية الكثير من القدرات للرد على هذه الصفاقة الأميركية، بحيث تحذو حذو دول كثيرة تمتلك قدرات أضعف بكثير من قدراتها تجرأت على قول "لا" لهذه العنجهية الأميركية المنفلتة من عقالها، إذ يمكن للدول العربية، على سبيل المثال، أن تعزز علاقاتها مع دول كبرى أخرى، في عالم يميل للتحوّل إلى متعدد الأقطاب، كما يمكن للدول النفطية الغنية أن تعوّض المساعدات التي يتلقاها كلٌ من الأردن ومصر من الولايات المتحدة الأميركية حالياً، أما المملكة العربية العربية السعودية، فيتوجب عليها، مع تمسكها الحازم بدعوتها إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أن لا تنخدع بالمناورة التي يمكن أن يقدم عليها الرئيس الأميركي، عندما يدرك أن "خطته" تلاقي رفضاَ شاملاً عربياً ودولياً، بحيث يطرح التخلي عنها أو تجميدها في مقابل شروع السعودية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل من دون "شروط مسبقة"، كما فعلت دولة الإمارات عندما أظهرت أن تطبيع علاقتها مع إسرائيل كان شرطه تخلي هذه الأخيرة، آنذاك، عن ضم الضفة الغربية؛ فهل يمتلك الزعماء العرب الإرادة لفعل ذلك؟
* باحث ومؤرخ - مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء