انتهاكات غير مسبوقة لحقوق النساء والفتيات في غزة خلال الحرب

شروق، أم نازحة تبلغ من العمر 31 عامًا، اضطرت إلى النزوح من شمال غزة في بداية الحرب وتقيم حاليًا في مدرسة مع أسرتها. الصورة: شبكة وطن الإعلامية/أكشن إيد
تكتب ريهام جعفري، مسؤولة التواصل والمناصرة في منظمة أكشن إيد فلسطين، عن التجارب المروعة التي واجهتها النساء والفتيات في غزة في عام 2024، ولماذا يحتاج العالم إلى التحرك لحماية حقوقهن في عام 202
أصبح من المستحيل تلخيص محنة ومعاناة النساء والفتيات التي لا يمكن تصورها في قطاع غزة ، حتى أن الكلمات أصبحت عاجزة عن التعبيرعن الظروف التي تم إجبارهن على المرور بها على مدار 15 شهرا منذ السابع من تشرين الأول لعام 2023. لقد أصبحت غزة المكان الأخطر للنساء في العالم، حيث يواجهن التهديد اليومي بالموت والجوع والقمع والحرمان من حقوقهن الإنسانية الأساسية. كل يوم يجلب معه كفاحا متجددًا من أجل البقاء، حيث لا تستطيع النساء الوصول إلى المياه والغذاء ومواد الصرف الصحي والملابس الدافئة والأدوية. تفقد النساء حياتهن؛ ويعانين من الأمراض والجوع والتعب.
الحرب في غزة هي حرب على النساء والفتيات. إستمرت الهجمات العسكرية الإسرائيلية خلال عام 2024، في قتل النساء والفتيات بمعدلات مروعة وفقا للأمم المتحدة ، حيث تشكل النساء والأطفال ما يقرب من 70٪ من الضحايا، و 75٪ من الجرحى. هؤلاء النساء لسن أرقامًا: كل إمرأة لها حياة وأطفال وعائلة وأحلام وأصدقاء.
تعاني العديد من النساء الناجيات من هذه الحرب معاناة لا يمكن تحملها بسبب فقدان أطفالهن وأزواجهن وأقاربهن وجيرانهن. تضطلع آلاف النساء الأرامل لوحدهن بمسؤولية إعالة ورعاية عائلاتهن وأطفالهن بعد فقدان الزوج . ولكن على الرغم من هذا الفقدان، فإن النساء الفلسطينيات يشكلن العمود الفقري لمجتمعهن ويواصلن إظهار قوة هائلة أثناء نضالهن لأجل البقاء.
إن أحد أكثر الأشياء المؤلمة التي تتحملها النساء في غزة هو النزوح المتكرر الذي حول حياتهن إلى جحيم. تعرض تسعة أشخاص من بين عشرة أشخاص للنزوح القسري في قطاع غزة . تجد معظم النساء والفتيات أنفسهن الآن يعشن في خيام أو مراكز إيواء هشة مؤقتة لا توفر سوى القليل من الحماية من البرد القارس وأمطار الشتاء. تتكون هذه الخيم الهشة من الستائر أو الأغطية البلاستيكية أو القماش الذي يمكنهن العثورعليه.
لقد أجبرت أوامرالإخلاء المتتالية - والتي تغطي حاليًا حوالي 79٪ من مساحة قطاع غزة – إلى الانتقال إلى مساحات صغيرة تتميز بالإكتظاظ وضعف البنية التحية التي لا يمكن التكيف معها،حيث تعاني بعض هذه المساحات الصغيرة وهي مخيمات النزوح من انهيار نظام الصرف الصحي والذي يعني تدفق المياه العادمة بين الخيام في ظل عدم وجود مكان آمن ضد القصف. هذا الواقع ترك النساء في حالة من الرعبي والإنهاك.
لا تتمتع النساء والفتيات بالخصوصية، وفي الوقت نفسه، يواجهن خطرًا متزايدًا في التعرض للتحرش والاستغلال والعنف، حيث تزداد هذه الممارسات في حالات الحروب والطواريء. تكافح النساء والفتيات للحصول على مسلتزمات النظافة ومستلزمات الدورة الشهرية التي يصعب توفيرها بشكل شهري، فالماء محدود أو يكاد معدوم ولا تتوفر الصابون، كما أن استخدام مراحيض الاستحمام يتطلب الإنتظار في طوابير لساعات طويلة.
لقد أدى نقص المياه إلى عدم قدرة بعض النساء على الاستحمام لأسابيع، في حين لجأت العديد منهن إلى قص شعرهن لأنه من الصعب جدًا الحفاظ عليه نظيفًا - وهو مجرد أحد التكتيكات المؤلمة للتعامل مع الظروف القاسية التي تضطر النساء إلى استخدامها. إن الحفاظ على نظافة أنفسهن وأماكن معيشتهن أمر مستحيل، في ظل سرعة إنتشار الأمراض الجلدية المعدية والالتهابات الرئوية.
لقد وصلت أزمة الجوع المتزايدة في غزة إلى مستويات كارثية بسبب تدمير النظام الغذائي بشكل كامل تقريبا، حيث أصبح معظم السكان في قطاع غزة يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة. لقد انخفض حجم المساعدات الإغاثية الإنسانية التي تدخل القطاع بشكل ملحوظ على الرغم من هذا الواقع . بلغ متوسط دخول الشاحنات الإنسانية الى قطاع غزة خلال شهر تشرين الأول لعام 2024 37 شاحنة يوميا. وهو أقل عدد للشاحنات الإنسانية خلال عام 2024.
وقد أدى هذا إلى نقص الغذاء بشكل مثير للقلق، وتزامن ذلك مع وجود ظروف أكثر خطورة في مناطق شمال قطاع التي تمت محاصرتها على ما يزيد عن 100 يوم ، حيث لم تدخل أي مساعدات تقريبا الى هذه المناطق منذ أوائل شهر تشرين الأول 2024 وأُجبرت المخابز والمطابخ على الإغلاق. وفي خطوة نادرة ومثيرة للقلق، أصدرت لجنة مراجعة المجاعة تحذيراً من إزدياد مستويات المجاعة وسوء التغذية بشكل متسارع في الشمال وأشارت إلى تجاوزعتبة المجاعة بالفعل. ووفقاً للتحذير، فإن إمدادات الغذاء تدهورت بشكل حاد في كل مكان في غزة.
تفاقم أزمة الغذاء معاناة النساء الحوامل، حيث يترك نقص الغذاء تداعياتت خطيرة على صحتهن: فقد أبلغ الأطباء في مستشفى العودة -الشريك لمؤسسة آكشن إيد في شمال غزة، عن ارتفاع في حالات الإجهاض نتيجة لسوء التغذية والتوتر بين النساء. تحدثت الأمهات حديثات الولادة لمنظمة آكشن إيد عن عدم قدرتهن على الرضاعة الطبيعية لتغذية أطفالهن بسبب سوء التغذية والعطش. لجأت النساء إلى استخدام الأعلاف الحيوانية كبدل للدقيق وطهي أوراق الشجر المجففة من الأرض لمجرد الحصول على شيء لإطعام أطفالهن؛ معظم النساء في غزة هن آخر من يتناول الطعام وأقل ما يأكل حيث تعطى المرأة الأولوية وحصتها في الطعام لأسرهن وأطفالهن.
لقد أثر إنهيار وتدمير النظام الصحي في غزة بشكل خاص على النساء الحوامل في غزة، حيث يُقدر بولادة 180 إمرأة كل يوم. وقد أدى نقص الإمدادات الطبية إلى اضطرار النساء إلى الخضوع لعمليات قيصرية دون تخدير أو أدوية حيوية. واضطرت العديد من النساء إلى الولادة في مراكز الإيواء أو خيام قذرة لأن شدة القصف تعرضهن للخطر في حال الذهاب إلى المستشفى. إضطر الأطباء إلى اتخاذ قرارات قاسية بشأن الأطفال حديثي الولادة المرضى الذين يجب إعطاؤهم الأولوية للحاضنات القليلة التي تمكنوا من تشغيلها بسبب نقص الوقود الشديد.
تواجه النساء والفتيات في غزة اعتداءً على حقوقهن وكرامتهن الإنسانية الأساسية بشتى الطرق الممكنة. مع حلول عام 2025، فإن الصورة مقلقة. والأكثر إثارة للقلق هو احتمال فرض الحكومة الإسرائيلية حظراً على عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين الأونروا كونها أكبر مزود للمساعدات والخدمات الإنسانية في غزة – والذي سوف يدخل حيز التنفيذ في نهاية شهر كانون الثاني لعام 2025 في حال تنفيذ القرار. تتمثل خطورة أثر هذا الحظرعلى سكان غزة الجائعين والمحاصرين في كونه أمر لا يمكن المبالغة فيه: فهو بمثابة حكم بالإعدام.
إن إعادة بناء غزة سوف تستغرق سنوات بعد وقف إطلاق النار .فقد تم تدمير أكثر من ثلثي المباني، بما في ذلك ما يقرب من 90٪ من المدارس، ودُمرت أحياء بأكملها. وسوف يستغرق التعافي من الآثار الجسدية والعقلية التي خلفتها هذه الأزمة وقتًا أطول: فقد عانى أكثر من 22500 شخص من إصابات غيرت حياتهم، وشهد الكثيرون أيضًا حزنًا وصدمة فقدان أحد أحبائهم على الأقل. كيف ستتمكن النساء من العودة إلى حياتهن وروتينهن اليومي بعد تدمير منازلهن وقتل أحبائهن؟
هنالك أمر مؤكد سيحدث في خضم هذا المشهد المأساوي، في عام 2025، تمامًا كما حدث في عام 2024 وكل السنوات السابقة، ألا وهو مواصلة النساء والفتيات الفلسطينيات الدفاع عن حقوقهن وحرياتهن الأساسية ومواصلة المطالبة بالعدالة والمساءلة.
إن مشاهد القوة المذهلة والقدرة على الصمود والتضحية التي أظهرتها العديد من النساء مثل الأمهات اللواتي قدمن الرعاية والعناية بالأطفال الأيتام وتربيتهم مثل أبنائهن ومشاهد تفاني العاملات في المجال الطبي والعاملات في المجال الإنساني اللواتي يخاطرن بحياتهن يوميًا لدعم مجتمعهن بعثت بريقا من الأمل من بين الأحداث المروعة التي شهدها العام الماضي.
ما زلت أشعر بالدهشة إزاء العمل المذهل الذي يقوم به زملائي في منظمة أكشن إيد وشركاؤنا في غزة في ظل أكثر الظروف فظاعة، من تشغيل خط ساخن لتزويد النساء بالاستشارات القانوينة والدعم النفسي والاجتماعي وإيجاد مساحات آمنة للنساء اللواتي يتعرضن للعنف المبني على النوع الاجتماعي، وتوزيع المستلزمات الضرورية مثل الطعام ومستلزمات الدورة الشهرية.
يحتاج سكان غزة ونسائها إلى تضامنكم ودعمكم في عام 2025، يجب على الشعوب في جميع أنحاء العالم الاستمرار في الطلب من قادتهم الإصرار والنضال لأجل التوصل على وقف إطلاق النار الدائم والشامل بشكل فوري. يجب أن يكون عام 2025 هو العام الذي تنتهي فيه هذه الأزمة، حتى تبدأ الرحلة الطويلة نحو التعافي والعدالة والمساءلة.
ريهام جعفري مسؤولة التواصل والمناصرة في مؤسسة آكشن إيد فلسطين
المصدر
https://www.bigissue.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء