أبو أحمد فؤاد.. وداعاً أيها الصلب

18.01.2025 09:17 AM

كتب ثائر أبو عياش

 في عالم يعج بالظروف القاسية والأحداث المتلاحقة، يظهر رجالٌ لا يكتفون بحمل أعباء الزمان والمكان، بل يثبتون أن البقاء في ساحة النضال ليس مجرد تحدٍ، بل هو حياة تستحق التضحية والفداء. رجالٌ يُترجمون كل دقيقة في حياتهم إلى معركةٍ، وكل خطوةٍ إلى نضالٍ من أجل وطنٍ يحتضن أحلامهم. ومن بين هؤلاء الرجال الذين كانوا صرحاً من صمود، وقوة من إرادة، كان القائد الفلسطيني داوود مراغة، المعروف بلقب "أبو أحمد فؤاد". وداعاً لك أيها القائد، فقد فارقتنا جسداً، لكنك ستظل حياً في قلوبنا وعقولنا، وستبقى ذكراك عنواناً للثبات والشجاعة، كما ستظل روحك المُلهمة مرشدة لنا في دروب المقاومة.

أبو أحمد فؤاد، ذلك الرجل الذي عُرف بصلابته في مواجهة التحديات والمحن، كان من أبرز القادة في تاريخ النضال الفلسطيني. نشأ في منافي العالم التي من خلالها كان يفُتش عن فلسطين، كل فلسطين، وفي الوقت ذاته كان مشبع بحب الوطن والعزم على استرداد الأرض السليبة. لم يكن أبو أحمد فؤاد مجرد قائد عسكري، بل كان رمزاً للعدالة والكرامة، محارباً من أجل حقوق الشعب الفلسطيني واستقلاله.

منذ أن تفتحت عيناه على هذه الدنيا، كان يرى بأم عينيه كيف يُجبر شعبه على العيش في الظلال، بعيداً عن أرضه، في وطن مشتت على أطراف المعاناة. ولكنه لم يرضَ بالاستسلام أو العيش في صمت، بل نشأ على حب الأرض والتمسك بالحق. كان قلبه ينبض بحلم العودة والتحرير، وكان يدرك أن الفلسطيني لا يمكن أن يعيش حراً في وطنه دون أن يزرع في نفسه شعوراً لا يلين بالثورة والمقاومة. كانت عيناه دائمًا تراقب السماء، تتأمل حلم العودة، وحين كانت الرياح تعصف بقوة، كان هو في طليعة من يقاومون، بعزيمة لا تهزها الأيام.

لم يكن أبو أحمد فؤاد مجرد قائد عسكري يحمل السلاح، بل كان يمثل قدوة في الصبر والمثابرة. كان الرجل الصلب الذي يعبر عن حقيقة المقاومة الفلسطينية. قلبه كان متأصلاً بالثقة، وعقله متقداً بالحكمة. كان له دور كبير في العديد من العمليات العسكرية والقيادية في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان يشهد له الجميع بحنكته وحسن تدبيره. كان كل قرار يتخذه مدروساً بعناية، وكل خطوة يخطوها ترتكز على قناعة راسخة بأن فلسطين لن تتحرر إلا على أيدي الأبطال الذين لا يرضون بالخذلان.

أبو أحمد فؤاد كان رجلاً من نوع خاص. كان يعتقد أن النضال الفلسطيني لا يتوقف عند القتال فقط، بل هو مشروع طويل الأمد يتطلب التفاني في بناء الأسس التي تقوم عليها الحركة الفلسطينية. لم يكن يتنازل عن المبادئ، وكانت كل خطوة يخطوها تندرج في إطار تحقيق الهدف الأكبر: تحرير فلسطين. في كل لحظة، كان يقاوم فيها الغزو والاحتلال، يزرع في قلوب شعبه إيماناً قوياً بأن الفجر آتٍ لا محالة، وأن الغد سيكون أفضل رغم عتمة الحاضر.

في حياة أبو أحمد فؤاد، كانت التضحية والمبادئ خطين متوازيين. لم يكن يسعى للشهرة أو المجد الشخصي، بل كان همه الأكبر هو رفعة فلسطين. ومن أجل ذلك، قدم الغالي والنفيس. لم تكن حياته سهلة، بل كانت مليئة بالتحديات. حمل السلاح في سبيل التحرير، وعاش في المنافي والجبال والمخيمات، بعيداً عن أسرته وراحتهم، ولكنه كان دائماً يشعر بأن معركته الكبرى هي معركة الشعب الفلسطيني كله.

من المخيمات إلى ساحات النضال، من قلب المعركة إلى مجالس السياسة، كان أبو أحمد فؤاد يجسد مقاومة الشعب الفلسطيني بشكل عملي. لم يترك جرحاً إلا سكب عليه الدماء ولا قضية إلا دفع ثمنها. كان يُؤمن تماماً أن التحرير لا يتحقق بالقوة العسكرية فقط، بل يتطلب الوحدة الوطنية، ويحتاج أيضاً إلى الدعم العربي والدولي. كان لا يكل ولا يمل في سعيه لتحقيق هذا الهدف، مدركاً تماماً أن الطريق شاق وطويل، ولكنه كان على يقين أن النهاية ستكون حتماً لصالح الحق.

في لحظة مفاجئة، رحل أبو أحمد فؤاد عن دنيانا، اليوم الموافق 17 يناير 2025 تركنا هذا الصلب، نعيش لحظة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني. قد يظن البعض أن الفقدان يعني النهاية، ولكن الحقيقة أن رحيل أبو أحمد فؤاد يمثل بداية لمرحلة جديدة من التحدي. رحيله يعمق في قلوبنا الإحساس بأن القضية الفلسطينية بحاجة إلى مزيد من التضحية، وأن الدرب لا يتوقف بموت القادة، بل هو مستمر عبر الأجيال. إنه يترك لنا مسؤولية مضاعفة: أن نواصل حمل الأمانة بكل قوة، وأن نحمل رايته على أكتافنا.

يترك أبو أحمد فؤاد وراءه إرثاً عظيماً من الكرامة والمثابرة، إرثاً لن يُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة. كان نموذجاً للقائد الذي يزرع الأمل ويشعل شعلة المقاومة، وينقش في النفوس أن الشعب الفلسطيني لا بد أن ينتصر مهما طال الزمن. وها نحن اليوم، رغم الألم، نواصل مشوارك، نؤمن بأن فلسطين ستظل حية في قلوبنا طالما أن هناك من يواصل حمل لواء الحق.

وداعاً أيها القائد الفذ، ولكنك لا تزال بيننا بروحك وذكراك. سوف نحتفظ بك في قلوبنا كما هو الحال مع كل القادة الذين خدموا فلسطين بعزيمة وإيمان. سنظل نذكر كلماتك وتوجيهاتك، وستظل مبادئك نصب أعيننا في كل مرحلة من مراحل النضال. كلما اشتدت الأوقات صعوبة، تذكّرنا قوتك وصلابتك، وكلما واجهنا تحديات جديدة، سنستمد من إرثك القوة لتجاوزها.

إلى أبو أحمد فؤاد، الذي عُرف بالصلابة والوفاء، نقول: إنك قد رحلت عن هذه الدنيا، لكنك بقيت في كل قلب فلسطيني، وفي كل زاوية من زوايا وطنك. فكلما تذكرنا تضحياتك ودماءك التي روت الأرض، تذكرنا أننا على العهد باقون، وأنك ستظل حياً في مسيرة النضال حتى نصل إلى الحلم الذي حلمت به، حلم العودة والحرية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير